للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٩٥ - السباب]

حكم سب الصحابة, يقول السائل: ما قولكم فيمن يسب واحداً من الصحابة وينتقص منه كالذين يسبون معاوية بن أبي سفيان ويتهمونه باتهامات باطلة فما حكم الشرع في ذلك؟

الجواب: حب الصحابة الكرام جزء من عقيدة المسلم عقيدة أهل السنة والجماعة، قال صاحب العقيدة الطحاوية ص ٦٨٩: [ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان] . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] شرح العقيدة الواسطية ص ١٤٢. وقد قامت على صحة هذه العقيدة ألا وهي حب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وحرمة سبهم وحرمة بغضهم عشرات الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانعقد إجماع الصحابة على ذلك. فمن الآيات الكريمات الدالة على ذلك وفيها ثناء الله على الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة التوبة الآية ١٠٠. وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) سورة آل عمران الآية ١١٠ وقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) سورة الفتح الآية ٢٩. وقال تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة الحديد الآية ١٠. وقال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجُِونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَايَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر الآيات ٨-١٠. وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الأنفال الآية ٦٤. وأما الأحاديث النبوية فمنها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم فقال: (استوصوا بأصحابي خيراً ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... الخ) رواه أحمد والبيهقي والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه ابن حبان وقال محققه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. صحيح ابن حبان ١٦/٢٤٠. ونص أهل العلم على وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأنه يحرم الطعن فيهم أو سبهم أو الانتقاص منهم. قال أبو زرعة الرازي: [إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق] ولتكن ممن يقول: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَايَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر الآية ١٠] انظر صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي ص ٣٩١-٣٩٢. وقال الإمام أحمد: [وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ليس له - أي الحاكم - أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلّده في الحبس حتى يموت أو يراجع] الصارم المسلول ص ٥٧٠. وقال الإمام النووي: [واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ...] ثم نقل عن القاضي عياض قوله: [وسب أحدهم - أي الصحابة - من المعاصي الكبائر] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٧٢-٧٣. وقال الحافظ ابن حجر: [اتفق أهل السنة على أن الجميع - أي جميع الصحابة - عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) وقوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) وقوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) إلى قوله: (إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله، ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء (وهم) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة انتهى. والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه، وقال أبو محمد ابن حزم الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً قال الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) فثبت أن الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحد منهم النار لأنهم المخاطبون بالآية السابقة] الإصابة في تمييز الصحابة ص ٦-٧ إذا تقرر هذا في فضل الصحابة وحرمة سبهم فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما واحد من الصحابة بل هو من فضلائهم فيحرم سبه وشتمه واتهامه بالاتهامات الباطلة. قال الإمام النووي: [وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/٥٣٠. وقد وردت أحاديث نبوية في فضل معاوية رضي الله عنه منها عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني: صحيح كما في السلسلة الصحيحة ١٩٦٩ وصحيح سنن الترمذي ٣/٢٣٦. وعن أبي إدريس الخولاني قال: [لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد عن حمص ولى معاوية فقال الناس: عزل عميراً وولى معاوية!؟ فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اهد به] رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ٣/٢٣٦. وروى الإمام البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: [أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال: دعه فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى البخاري أيضاً بسنده: قيل لابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: إنه فقيه] صحيح البخاري مع الفتح ٨/١٠٤-١٠٥. قال الحافظ ابن حجر: [وقوله دعه: أي اترك القول فيه والإنكار عليه فإنه قد صحب أي فلم يفعل شيئاً إلا بمستند وفي قوله في الرواية الأخرى أصاب إنه فقيه ما يؤيد ذلك] فتح الباري ٨/١٠٥. وقال الإمام الذهبي في حق معاوية: [حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم وهو ثقة فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضي الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً منه بكثير وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه وله هنات وأمور والله الموعد] سير أعلام النبلاء ٣/١٣٢-١٣٣. وقال الذهبي أيضاً: [ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببرئ من الهنات والله يعفو عنه] سير أعلام النبلاء ٣/١٥٩. وينبغي أن يعلم أن معاوية رضي الله عنه هو أحد كتبة الوحي الذين استكتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتابة القرآن الكريم. انظر الإصابة ٦/١١٣، معاوية بن أبي سفيان لمحمود شاكر ص ٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>