للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨٠ - حظر التجول المتواصل يلحق بالجوائح]

يقول السائل: من المعلوم أن كثيراً من المدن الفلسطينية تعاني من فرض نظام حظر التجول لفترات طويلة وقد امتدت في بعض المدن إلى شهور مما أدى إلى إغلاق المحلات التجارية خلال فترات حظر التجول، مما أوقع المستأجرين للمحلات التجارية في خسائر كبيرة نظراً لدفعهم أجرة هذه المحلات وهي مغلقة فهل حالة الإغلاق هذه تلحق بالجوائح التي ذكرت في السنة النبوية؟ الجواب: إن الظروف الطارئة التي حدثت في كثير من مدن الضفة الغربية والتي شملت فرض نظام منع التجول لفترات طويلة تشبه الجائحة التي تجتاح الثمار إلى حدٍ ما، والجائحة عند الفقهاء كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم به كسماوي كالبرد والحر والجراد والمطر. ومثل هذه الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة. انظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ١/٥١٥. وألحق بعض أهل العلم بالآفة السماوية ما يطرأ من أمور غير سماوية كالحرب. انظر الشرح الكبير ٣/١٨٥، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/٤٢٦. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فالجائحة هي الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد مثل الريح والبرد والحر والمطر والجليد والصاعقة ونحو ذلك ... وإن أتلفها من الآدميين من لا يمكن ضمانه كالجيوش التي تنهبها واللصوص الذين يخربونها فخرَّجوا فيه وجهين: أحدهما ليست جائحة لأنها من فعل آدمي. والثاني: وهو قياس أصول المذهب أنها جائحة وهو مذهب مالك كما قلنا مثل ذلك في منافع الإجارة لأن المأخذ إنما هو إمكان الضمان ولهذا لو كان المتلف جيوش الكفار أو أهل الحرب كان ذلك كالآفة السماوية] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٣٠/٢٧٨. والجائحة لها أثر واضح في التخفيف عمن أصابته ويدل على ذلك عدة أحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها:

عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) رواه مسلم.

وعن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي قالوا: وما تزهي؟ قال: تحمر فقال: إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك؟) رواه مسلم.

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح) رواه مسلم

ويؤخذ من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح حتى لا يأكل المسلم مال أخيه بالباطل.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن تعطل منافع المأجور يعد سبباً لفسخ عقد الإجارة وللتخفيف من الأجرة حيث قال: [وتعطل المنفعة يكون بوجهين: أحدهما: تلف العين كموت العبد والدابة المستأجرة والثاني زوال نفعها بأن يحدث عليها ما يمنع نفعها كدار انهدمت وأرض للزرع غرقت أو انقطع ماؤها فهذه إذا لم يبق فيها نفع فهي كالتالفة سواء لا فرق بينهما عند أحد من العلماء] .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً [وإن تعطل نفعها بعض المدة لزمه من الأجرة بقدر ما انتفع به كما قال الخرقي فإن جاء أمر غالب يحجر المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من الأجرة بمقدار مدة انتفاعه] مجموع الفتاوى ٣٠/٢٨٨-٢٩٠. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [ولا خلاف بين الأمة أن تعطل المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة أو نقصها أو الفسخ وإن لم يكن للمستأجر فيه صنع كموت الدابة وانهدام الدار وانقطاع ماء السماء فكذلك حدوث الغرق وغيره من الآفات المانعة من كمال الانتفاع بالزرع] المصدر السابق ٣٠/٢٩٣-٢٩٤.

وينبغي التنبيه لأمرين هامين في هذه المسألة: الأول: إن كثيراً من المستأجرين للمحلات التجارية وكذا لدور السكنى يظلمون المالكين حيث إن أجرة هذه المحلات لا تقابل المنافع التي يحصل عليها المستأجرون كما أن كثيراً من المستأجرين يتمسكون بما يقال إن المستأجر محمي بحكم القانون الوضعي فلا يستطيع المالك إنهاء عقد الإجارة كما أنه لا يستطيع المطالبة بزيادة الأجرة حيث إن كثيراً من المحلات التجارية وكذا دور السكنى مؤجر بثمن بخس إذا ما قيس بما عليه الأجرة في الوقت الحالي.

الثاني: أرى أن مبدأ التراحم يكاد يكون مغيباً في تعامل المستأجرين والمالكين حتى إنه يمكن القول إن بعض حالات الاستئجار أشبه ما تكون بالغصب حيث إن المستأجر يدفع أجرة قليلة لا تكاد تذكر مع الأجرة الحقيقية وإذا طلب المالك إنهاء عقد الإجارة فأنى يستجاب له!! لهذا كله أرى أن يتحاكم المستأجرون والمالكون إلى شرع الله عز وجل في كل قضاياهم - وليس في هذه المسألة خاصة - وأن يتقوا الله في أنفسهم وفي إخوانهم وأن يتراحموا فيما بينهم يقول الله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) سورة البلد الآية ١٧

وورد في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من لا يرحم لا يرحم) رواه البخاري

وجاء في رواية أخرى عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) رواه البخاري أيضاً.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) رواه

أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر (ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم) رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ٤٨٢.

وغير ذلك من النصوص.

وخلاصة الأمر فإني أرى يتراحم المالكون والمستأجرون فيما بينهم فالراحمون يرحمهم لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>