[١٨٤ - حقوق الزوجين]
معاملة الزوجة بالحسنى، تقول السائلة: إن زوجها يسيء معاملتها ويهينها أمام أولادها ويقتّر عليها في الإنفاق مع العلم أنه يحافظ على الصلوات في المسجد فما قولكم في ذلك؟
الجواب: كثير من الناس عندهم انفصال ما بين القول والعمل ويعرفون الأحكام الشرعية معرفة نظرية فقط ولا يحولون تلك المعرفة إلى ممارسة عملية في الحياة وقد قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصف الآيتان ٢-٣.
وكثير من أمثال هذا الشخص المشار إليه في السؤال يفهمون الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة بطريقة غير صحيحة فهم يفهمون القوامة على أنها تسلط على المرأة وهكذا. وينسى هؤلاء النصوص الشرعية الكثيرة التي حثت على حسن التعامل مع الزوجة حيث إن الزوجة آية من آيات الله تعالى التي منَّ بها على عباده كما قال تعالى: (وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم الآية ٢١.
إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء] تفسير القرطبي ١٤/١٧.
وقد أمر الله تعالى بحسن معاشرة الزوجة فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَاءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) سورة النساء الآية ١٩.
قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء وقال بعضهم: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له، قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية - نوع من الطيب - فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امراتي ودهنتني بالطيب وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين المرأة لي] تفسير القرطبي ٥/٩٧.
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة وقد بوب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال: " باب الوصاة بالنساء "، وقال الإمام البخاري أيضاً: " باب المداراة مع النساء "، وقال الإمام البخاري أيضاً: " باب حسن المعاشرة مع الأهل ".
ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً) .
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث: [وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه] فتح الباري ١١/١٦٣.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ١/٣٤١.
وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
قال العلامة ابن علان المكي: [ (وخياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية (خيركم خيركم لأهله) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد (أنا خيركم لأهلي) وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم] دليل الفالحين ٣/١٠٦.
ويجب أن يعلم أن الإنفاق على الزوجة واجب على الزوج كما قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة الآية ٢٣٣، وقال تعالى:
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّاءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا) سورة الطلاق الآية ٧.
وهذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله) رواه مسلم.
وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم.
وقال الحافظ ابن حجر: [وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع] فتح الباري ١١/٤٢٥.
وعن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك) رواه البخاري ومسلم.
والأصل في الإنفاق على الزوجة والأولاد هو الإنفاق بالمعروف كما في الآية المذكورة أولاً.
والمعروف هو المتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط ويقدر ذلك بحسب حال الزوج يسراً أو عسراً ويدل على ذلك قوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّاءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَاءَاتَاهَا) سورة الطلاق الآية ٧، وقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) سورة الطلاق الآية ٦.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/٤٠٢.
وإذا كان الزوج بخيلاً شحيحاً فإنه يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بالمعروف لتنفق على نفسها وأولادها من دون علم الزوج فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري ومسلم.
?????