[١٥٢ - حكم الاختلاس]
يقول السائل: إنه يعمل في إحدى المؤسسات التي تقدم وجبة الغداء للعاملين فيها حسب نظام التذاكر ويسأل هل يجوز له أن يأخذ الطعام بدون تذكرة ودون أن يراه الموظف الذي يقدم الطعام؟ ويسأل هل يجوز للموظف الذي يقدم الطعام أن يعطي بعض زملائه طعاماً بدون تذكرة؟ ويسأل أيضاً هل يجوز له أن يأخذ بعض الأشياء من تلك المؤسسة مثل أدوات التنظيف والأدوية والقرطاسية ونحوها بدون إذن المسؤولين؟
الجواب: إن الموظف مؤتمن على عمله ويجب عليه أن يحافظ على كل ما يتعلق بعمله ولا يجوز له أن يستعمل شيئاً مما أؤتمن عليه في غير محله المقرر له.
ويحرم على الموظف خيانة الأمانة التي أؤتمن عليها فلا يجوز شرعاً أن يأخذ وجبة طعام بدون ثمنها ما دام أن الطعام يباع للموظفين بيعاً وبواسطة التذاكر وكذلك لا يجوز للموظف الذي يقدم الطعام أن يعطي أحداً منه بدون تذكرة ما دام أن النظام يقضي بأن لا يعطى أحد طعاماً إلا بتذكرة وعمله هذا يعتبر خيانة للأمانة.
وكذلك يحرم على الموظفين أخذ شيء من أموال المؤسسة مهما كانت قليلة وقد أمر الله سبحانه وتعالى بأداء الأمانة وحذّر من خيانتها فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) سورة النساء الآية ٥٨.
وهذه الآية عامة تشمل كل الأمانات كما نقل القرطبي ذلك عن جماعة من الصحابة كالبراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم قالوا:
[الأمانة في كل شيء في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن والودائع] .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة] .
وقال القرطبي: [وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار] تفسير القرطبي ٥/٢٥٦.
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الأنفال الآية ٢٧.
فنهى الله سبحانه وتعالى عن خيانة الله سبحانه وتعالى وخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم وخيانة بعضهم لبعض.
وخيانة الأمانة من صفات المنافقين كما صحَّ في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية عند مسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) .
وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم.
وقد اعتبر العلماء خيانة الأمانة من كبائر الذنوب. انظر الزواجر ١/٦١٧.
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من خيانة الأمانة منها:
عن أنس بن مالك ? قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في الخطبة: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) رواه ابن حبان والبيهقي والبغوي، ثم
قال: هذا حديث حسن. شرح السنة ١/٧٥. وحسّنه الشيخ الألباني لشواهده المشكاة ١/١٧.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم) رواه أحمد والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححه الشيخ الألباني. السلسلة الصحيحة ٣/٤٥٤
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [لا يغرنَّك صلاة امرئ ولا صيامه من شاء صلى ومن شاء صام ولكن لا دين لمن لا أمانة له] شرح السنة ١/٧٥.
وخلاصة الأمر أن الموظف مؤتمن على العمل الذي أنيط به ومؤتمن على ما كان تحت يده من أموال أو أدوات أو طعام وغير ذلك ولا يجوز التصرف بأي شيء من ذلك إلا بإذن مسؤوله ولا يجوز أن يأخذ شيئاً من عمله دون أن يؤذن له فإن فعل فقد خان الأمانة وارتكب الإثم ووقع في المعصية.
*****