للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨ - كتاب الجفر مكذوب على علي رضي الله عنه]

يقول السائل: قرأت في كتابٍ يتحدث عن المهدي المنتظر أن كتاب الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه كتاب صحيح النسبة إليه، فما قولكم في ذلك، أفيدونا.

الجواب: كتاب الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه أو إلى جعفر الصادق رحمه الله من أكاذيب الرافضة ومن ضلالاتهم، وأود بداية أن أعرِّف بكتاب الجفر كما ورد في مصادر الشيعة حيث قالوا: [كتاب الجَفْر هو كتابٌ أملاه رسول الله محمد صلَّى الله عليه وآله في أواخر حياته المباركة على وصيِّه وخليفته علي بن أبي طالب عليه السَّلام وفيه علم الأولين والآخرين ويشتمل على علم المنايا والبلايا وعلم ما كان ويكون إلى يوم القيامة وقد جُمعت هذه العلوم في جلد شاة] ثم ذكر أنه [بعد الإطلاع على الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السَّلام ودراستها أن الأئمة تحدثوا عن جِفارٍ أربعة لا عن جَفْرٍ واحد، أما الجفر الأول فهو كتابٌ، والثلاثة الأخرى أوعيةٌ ومخازن لمحتويات ذات قيمة علمية ومعلوماتية ومعنوية كبيرة، وهذه الجِفار هي: كتاب الجَفْر والجَفْر الأبيض والجَفْر الأحمر والجَفْر الكبير الجامع] عن موقع الكرباسي الشيعي على الإنترنت. وكلمة الجفر تعني جلد الماعز حيث زعموا أن ذلك الكتاب كتب في جلد ماعز أو جلد ثور، إذا تقرر هذا فإن النفس البشرية تطمح إلى معرفة أحوالها المستقبلية وما قد يحدث لها وهذا أمر مقرر من القدم يقول ابن خلدون [اعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مُدد الدول أو تفاوتها. والتطلع إلى هذا طبيعة للبشر مجبولون عليها. ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام. والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك ... ] مقدمة ابن خلدون ص٣٣٠.

هذا أولاً، وأما ثانياً فإن كتاب الجفر ذكرت فيه أمور غيبية مستقبلية من تغير دول ووقوع حروب وكوارث ... إلخ ومن المقرر عند أهل العلم أن علم الغيب مختص بالله عز وجل قال الله تعالى {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} سورة النمل الآية ٦٥، وقال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} سورة الجن الآية ٢٦، وقال تعالى {وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} سورة يونس الآية ٢٠، وقال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} سورة الأنعام الآية ٥٩، وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف الآية ١٨٨، وقال أيضاً {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} سورة هود الآية ٣١. وقد قرر علماء الإسلام أن كتاب الجفر لا تصح نسبته بحال من الأحوال لعلي رضي الله عنه أو إلى جعفر الصادق، قال ابن خلدون [واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي، وهو رأس الزيدية، كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء. وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العجلي وكتبه، وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علماً على هذا الكتاب عندهم، وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه، وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل.] مقدمة ابن خلدون ص٣٣٤. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأهل العلم بجعفر – الصادق - وأحواله يعلمون قطعاً أن ذلك مكذوب على جعفر كما كذب عليه الناقلون عنه الجدول في الهلال وكتاب الجفر والبطاقة والهفت واختلاج الأعضاء والرعود والبروق ونحو ذلك مما هو من كلام أهل النجوم والفلسفة ينقلونه عن جعفر وأهل العلم بحاله يعلمون أن هذا كله كذب عليه] بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية ص ٣٢٨.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [وأما الكتب والأسرار التي يدعونها عن جعفر الصادق، فمن أكبر الأشياء كذبًا حتى يقال: ما كُذب على أحد ما كُذب على جعفر ـ رضي الله عنه. ومن هذه الأمور المضافة: كتاب الجَفْر، الذي يدعون أنه كتب فيه الحوادث. والجفر: ولد الماعز، يزعمون أنه كتب ذلك في جلده، وكذلك كتاب البطاقة الذي يدعيه ابن الحِلِّيّ ونحوه من المغاربة، ومثل كتاب: الجدول في الهلال، والهفت عن جعفر وكثير من تفسير القرآن وغيره.] مجموع الفتاوى ٤/٢٦. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والإسماعيلية والقرامطة والباطنية الثنوية والحاكمية وغيرهم من الضلالات المخالفة لدين الإسلام، وما ينسبونه إلى علي بن أبي طالب، أو جعفر الصادق، أو غيرهما من أهل البيت، كالبطاقة والهفت والجدول والجفر، وملحمة بن عنضب وغير ذلك من الأكاذيب المفتراة باتفاق جميع أهل المعرفة، وكل هذا باطل ... ] مجموع الفتاوى ١١/٥٥. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [والكتب المنسوبة إلى علي رضي الله عنه أو غيره من أهل البيت في الأخبار بالمستقبلات كلها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك، وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان عنده علم من النبي صلى الله عليه وسلم خصه به دون غيره من الصحابة] منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ٨/٦٨. وقال الإمام الذهبي [مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه، وقد كذبت عليه الرافضة ونسبت إليه أشياء لم يسمع بها، كمثل كتاب الجفر، وكتاب اختلاج الأعضاء، ونسخ موضوعة.] تاريخ الإسلام ٣/٥٥وقال الشيخ محمد رشيد رضا عن كتاب الجفر: [لا يعرف له سند إلى أمير المؤمنين، وليس على النافي دليل، وإنما يطلب الدليل من مدعي الشيء، ولا دليل لمدعي هذا الجفر.] فتاوى محمد رشيد رضا ٤/١٣٠٧. وقال الشيخ شعيب الأرناؤط: [إن كتاب الجفر لا تصح نسبته إلى جعفر الصادق رحمه الله، والذين نسبوه إليه من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وعمدتهم في المنقولات التواريخ المنقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع من عًرف بالكذب والاختلاف، كأبي مخنف لوط، وهشام بن محمد السائب، وأمثالهما، وغير خافٍ على طلبة العلم أن ما لا يعلم إلا من طريق النقل لا يمكن الحكم بثبوته إلا بالرواية الصحيحة السند، فإذا لم توجد، فلا يسوغ لنا شرعاً وعقلاً أن نقول بثبوته] سير أعلام النبلاء ١٩/٥٤٣ الهامش. ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتاب (كتب حذر منها العلماء) للشيخ مشهور حسن ١/١٠٨-١٢٤.

ولا بد من التنبيه إلى أن الروافض قد غالوا في علي رضي الله عنه ونسبوا إليه أموراً كثيرة هو منها براء ومن ذلك ما نسبوه إليه من علم الغيب والحوادث المستقبلية وقد أبطل علي رضي الله عنه ذلك بما صح عنه في الحديث أن أبا جحيفة رضي الله عنه قال: قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري. وروى مسلم عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال (خطبنا علي بن أبي طالب فقال من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة - قال وصحيفة معلقة في قراب سيفه- فقد كذب , فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات..)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وبهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الصحيحة استدل العلماء على أن كل ما يذكر عن علي رضي الله عنه وأهل البيت من أنهم اختصوا بعلم خصهم به النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم كذب عليهم، مثل ما يذكر منه الجفر والبطاقة والجدول وغير ذلك وما يأثره القرامطة الباطنية عنهم فإنه قد كُذب على جعفر الصادق رضي الله عنه ما لم يكذب على غيره وكذلك كُذب على علي رضي الله عنه وغيره من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم.] مجموع الفتاوى ٢ / ٢١٧.

وقال الإمام النووي في شرح الحديث السابق [هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن علياً رضي الله تعالى عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه صلى الله عليه وسلم خصَّ أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفى في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا] شرح النووي على صحيح مسلم ٩ / ١٤٣.

وخلاصة الأمر أن كتاب الجفر المنسوب إلى علي رضي الله عنه أو إلى جعفر الصادق من أكاذيب الرافضة ومن ضلالاتهم ولا يجوز شرعاً تصديق ما فيه من أباطيل، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>