للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٦٢ - البيوع]

يقول السائل: ما حكم عبارة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) التي يكتبها بعض التجار على لوحة ويعلقونها في مكان بارز من متاجرهم أفيدونا؟ الجواب: هذه العبارة ليست صحيحة على إطلاقها بل في حكمها التفصيل التالي:

أولاً: تكون عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" صحيحة فيما إذا وقع البيع خالياً من الخيار ومن العيوب فمن المعلوم أن عقد البيع إذا تم بصدور الإيجاب والقبول من المتعاقدين فهو عقد صحيح لازم والعقود اللازمة عند الفقهاء لا يملك أحد المتعاقدين فسخها إلا برضى الآخر إذا لم يكن بينهما خيار لقوله صلى الله عليه وسلم: [البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا] رواه البخاري ومسلم. فإذا اشترى شخص سلعة ولم تكن معيبة ثم ذهب إلى بيته فبدا له أن يرجع السلعة للبائع فلا يملك المشتري ذلك إلا إذا وافق البائع وهذا ما يسمى بالإقالة والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وفي رواية أخرى قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَقَالَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ صَفْقَةً كَرِهَهَا , أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، ولكن إن أبى البائع أن يقيل المشتري بيعته فله ذلك وفي هذه الحالة تكون عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" صحيحة ولكن رد السلعة وإقالة المشترى أولى وفيه الأجر والثواب.

ثانياً: تكون عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" باطلة إذا اشترى شخص سلعة ولما رجع إلى بيته مثلاً وجد فيها عيباً فله كل الحق في رد السلعة وإن شرط البائع عليه أن " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" فمثلاً لو اشترى سلعة غذائية ولدى عودته إلى منزله وجدها منتهية الصلاحية أو وجدها تالفة فمن حقه أن يعود للمحل الذي اشترى السلعة منه لردها واستبدالها بسلعة غذائية صالحة وسليمة وغير منتهية الصلاحية. قال الشيخ ابن قدامة رحمه المقدسي: [أنه متى علم بالمبيع عيباً لم يكن عالماً به فله الخيار بين الإمساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً وإثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب] المغني ٤/١٠٩. وحديث التصرية الذي أشار إليه هو ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر) والتصرية هي حبس الحليب في الضرع لخداع المشتري وتعد التصرية عيباً عند الفقهاء وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الخيار برد المصراة وجعله حقاً للمشتري. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا أثبت الشارع الخيار لمن لم يعلم بالعيب أو التدليس؛ فإن الأصل في البيع الصحة وأن يكون الباطن كالظاهر. فإذا اشترى على ذلك فما عرف رضاه إلا بذلك فإذا تبين أن في السلعة غشاً أو عيباً فهو كما لو وصفها بصفة وتبينت بخلافها فقد يرضى وقد لا يرضى فإن رضي وإلا فسخ البيع. وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» ] مجموع الفتاوى ٢٨/١٠٤.

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية [ما حكم الشرع في كتابة عبارة ((البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل)) . التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم. وهل هذا الشرط جائز شرعاً. وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع.

الجواب: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرؤه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب. ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق. ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً] .

فهذه الفتوى فيما أرى محمولة على الحالة الثانية من الحالتين اللتين ذكرتهما أي إلغاء خيار الرد بالعيب والعلماء متفقون على أن المشتري إذا وجد عيباً فيما اشتراه كان له حق الرد وإن لم يكن البائع يعلم مسبقاً بالعيب.

وخلاصة الأمر أن عبارة ((البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل)) تكون صحيحة إذا وقع البيع خالياً من الخيار ومن العيوب وتكون باطلة إذا وجد المشتري في البضاعة عيباً فله ردها وأخذ بضاعة سليمة بدلاً منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>