[٣ - حكم عملية ربط المعدة]
يقول السائل: إنه يعاني من زيادة الوزن المفرطة مما سبب له مشكلات صحية كثيرة، وقد استعمل عدة وسائل لتخفيف الوزن بدون فائدة وقد نصحه بعض الأطباء بعملية ربط للمعدة، فهل هذا الأمر جائز شرعاً، أفيدونا؟
الجواب: شرع الإسلام التداوي، فإذا مرض الإنسان أو طرأ عليه ما يخل بصحته كالسمنة المفرطة فعليه أن يعالج ما يعرض لصحته من عوارض، وقد دلت نصوصٌ كثيرةٌ على جواز التداوي، منها ما جاء في حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: (نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً، قالوا يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم، وقال العلامة الألباني: حديث صحيح كما في صحيح سنن أبي داود حديث رقم ٣٢٦٤. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله) رواه مسلم. وغير ذلك من النصوص.
ولا شك أنه يترتب على السمنة المفرطة أضرار صحية كثيرة، لذا فإن علاج السمنة المفرطة داخل تحت عموم النصوص التي تدل على جواز التداوي، وهنالك وسائل ينبغي لمن كانت عنده سمنة مفرطة أن يستعملها قبل اللجوء إلى عملية ربط المعدة، ومن أهمها تقليل الطعام والشراب، فكثرة الطعام والشراب من الأسباب الرئيسة للسمنة المفرطة، وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقليل منهما، بل ذكر أن كثرة الطعام من الشرور، كما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما ملأ آدميٌ وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يُقْمنَ صُلْبَهُ، فإن كان لا محالة، فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنَفَسِه) رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم، وقال العلامة الألباني: صحيح. سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث رقم ٢٢٦٥. وورد في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم البطن فقال بإصبعه لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك) رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. وقال الشيخ الساعاتي: [لو كان العظم في غير البطن من أعضائه ... كان خيراً لأن عظم البطن يثقل الرجل ويضره ولا يفيده لأنه ينشأ عن كثرة الأكل وكثرة الأكل مذمومة فكأنه صلى الله عليه وسلم يحثه على التقليل من الأكل والشرب لأنه أصح للبدن) الفتح الرباني ١٧/٢١٨.
ومن الوسائل التي تعين على تخفيف السمنة، المداومة على الصوم، كصيام الاثنين والخميس وغيرهما من الأيام كما ورد في الحديث
عن ربيعة بن الغاز أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان يتحرى صيام الاثنين والخميس) رواه ابن ماجة وابن خزيمة وغيرهما وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم ١٤١٤. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء، والخميس) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ومن الوسائل المعينة على التخلص من السمنة المفرطة ممارسة الرياضة، وخاصة رياضة المشي. فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير) رواه مسلم.
إذا تقرر هذا، فإن عملية ربط المعدة وهي عملية تجرى لتصغير المعدة، تجوز إذا استنفذت الوسائل الأخرى لعلاج السمنة المفرطة التي أشرت إليها، فحينئذ تكون هنالك حاجةٌ ماسةٌ لإجراء هذه العملية، ولا بد من تحقق الضوابط والشروط الشرعية المقررة لجواز العمليات الجراحية بشكل عام وهي:
[الشرط الأول: أن تكون الجراحة مشروعة: فلا يجوز للمريض أن يطلب فعل الجراحة ولا للطبيب أن يجيبه إلا بعد أن تكون تلك الجراحة مأذوناً بفعلها شرعاً، لأن الجسد ملك لله رب السماوات والأرض وما فيهن? فلا يجوز للإنسان أن يتصرف فيه إلا بإذن المالك الحقيقي. الشرط الثاني: أن يكون المريض محتاجاً إلى الجراحة: أي بأن يخاف على نفسه الهلاك أو تلف عضو من أعضاء جسده أو دون ذلك كتخفيف الألم. الشرط الثالث: أن يأذن المريض أو وليه بفعل الجراحة: فإذا رفض المريض ولو كان يتألم فلا يجوز للطبيب أن يجري الجراحة حتى يأذن له.
الشرط الرابع: أن تتوفر الأهلية في الطبيب الجراح: ويتحقق هذا الشرط بوجود أمرين: أن يكون ذا علم وبصيرة بالعملية المطلوبة، وأن يكون قادراً على تطبيقها وأدائها على الوجه المطلوب، فلو كان جاهلاً بالكلية كأن تكون خارجة عن اختصاصه أو جاهلاً ببعضها فإنه يحرم عليه فعلها، ويعتبر إقدامه عليها في حال جهله بمثابة الجاني المعتدي على الجسم المحرم بالقطع والجرح. وهنا لا بد من استشارة الأطباء الأخصائيين الثقات قبل القيام بعملية ربط المعدة.
الشرط الخامس: أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاح الجراحة: بمعنى أن تكون نسبة نجاح العملية ونجاة المريض من أخطارها أكبر من نسبة عدم نجاحها وهلاكه، فإذا غلب على ظنه هلاك المريض بسببها فإنه لا يجوز له فعلها.
الشرط السادس: ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضرراً من الجراحة: كالعقاقير والأدوية، فإن وجد البديل لزم المصير إليه صيانة لأرواح الناس وأجسادهم حتى لا تتعرض لأخطار الجراحة وأضرارها ومتاعبها كالقرحة الهضمية في بدايته يتم علاجه بالعقاقير والتي ثبت مؤخراً تأثيرها على القرحة وأنها أنجح العلاجات وأفيدها. وقد أشرت لبدائل عملية ربط المعدة. أما إذا كان الدواء أشد خطراً وضرراً ولا ينفع في علاج الداء أو زواله فإنه لا يعتبر موجباً للصرف عن فعل الجراحة كبعض الأمراض العصبية حيث يمكن علاج المريض بالعقاقير المهدئة لكنها لا تنفع في زوال الداء وقد تسبب الإدمان فوجود البديل على هذا الوجه وعدمه سواء. وهنا لا بد من التأكيد أنه إذا ترتب ضرر أكبر على عملية ربط المعدة فتحرم حينئذٍ لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} سورة البقرة الآية ١٩٥، ولقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} سورة النساء الآية ٢٩.
الشرط السابع: أن تترتب المصلحة على فعل الجراحة: إنما شرعت الجراحة لمصلحة الأجساد ودفع ضرر الأسقام عنها فإذا انتفت تلك المصالح وكانت ضرراً محضاً، فإنه حينئذ ينتفي السبب الموجب للترخيص بفعلها شرعاً وتبقى على أصل الحرمة، ومثال على هذا جراحة إزالة الثآليل بالقطع أو الكت الجراحي فقد ثبت طبياً أن الثآليل لا تزول بالعمل الجراحي، بل فعل القطع والكحت ينتهي بالمصاب إلى عواقب وخيمة وأضرار منها العدوى الجرثومية وتندب موضع الجراحة. وينبغي في هذه المصلحة أن تكون من جنس المصالح التي شهد الشرع باعتبارها وأنها مصلحة مقصودة، أما المبنية على الهوى كجراحة تغيير الجنس فلا يجوز فعلها لعدم اعتبار الشرع لها. الشرط الثامن: أن لا يترتب على فعلها ضرر أكبر من ضرر المرض: كجراحة التحدب الظهري الحاد فالغالب فيها أنها تنتهي بالشلل النصفي، فعلى الطبيب أن يقارن بين نتائج ومفاسد الجراحة ومفاسد المرض، فإن كانت المفاسد التي تترتب على الجراحة أكبر من المفاسد الموجودة في المرض حرمت الجراحة، لأن الشريعة لا تجيز الضرر بمثله أو بما هو أشد، وأما إذا كان العكس فتجوز.] الوجيز في أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها بتصرف يسير، وانظر للتوسع أحكام الجراحة الطبية للدكتور محمد الشنقيطي ص ١٠٤-١٢٥.
وخلاصة الأمر أن عملية ربط المعدة جائزةٌ شرعاً، إذا استنفذت الوسائل الأخرى لعلاج السمنة المفرطة، ضمن الشروط الشرعية المقررة لأحكام الجراحة الطبية.