يقول السائل: تزوجت من عدة سنوات وأنجبنا طفلة وتبين أنها مصابة بمرض الثلاسيميا ونريد الآن التوقف عن الإنجاب، لأن الأطباء يقولون إن هنالك احتمالاً كبيراً بإصابة أطفالنا بهذا المرض، فما الحكم في اتخاذ وسائل لمنع الحمل والإنجاب بشكل نهائي، أفيدونا؟
الجواب: [الثلاسيميا أو فقر دم البحر الأبيض المتوسط هو من أمراض الدم الوراثية والتي تتسبب في إحداث تلف في كريات الدم الحمراء، وسمي بهذا الاسم لانتشاره بشكل كبير في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويحدث نتيجة لوجود خلل في التركيب الجيني للهيموجلوبين. والثلاسيميا مرض وراثي ينتقل عن طريق الوراثة ففي حالة وجود اضطراب في جينات كل من الأم والأب، فإن هناك احتمال بنسبة ٢٥% أن يولد الطفل مصاب بالمرض أما إذا كان أحد الأبوين سليماً والأخر يحمل جيناً مختل فمن الممكن أن ينتقل المرض لبعض الأبناء ويصبحون حاملين للصفة المرضية. وينتقل مرض الثلاسيميا من الوالدين إلى أبنائهم عن طريق الوراثة المتنحية وهذه الاحتمالات الممكنة لانتقال الثلاسيميا من الوالدين لأولادهما: أولاً: الوالد والوالدة سليمان: في حالة زواج شخصين سليمين وكل منهما لا يحمل الثلاسيميا فإن جميع أطفال هذه العائلة سليمين بإذن الله تعالى. ثانياً: الوالد حامل للمرض والوالدة سليمة: في حالة زواج شخصين أحدهما يحمل الثلاسيميا والآخر سليم، فإن في كل مرة تحمل فيها الزوجة تكون احتمالية أن يكون الأطفال سالمين ٥٠%، وأن يكون الأطفال حاملين للمرض أيضاً ٥٠%. ثالثاً: الوالد سليم والوالدة مصابة بالثلاسيميا: في حالة زواج شخصين أحدهما مصاب بالثلاسيميا والآخر سليم، فإن كل هذه العائلة تكون حاملة للمرض. رابعاً: الوالد والوالدة حاملان لمرض الثلاسيميا: في حالة زواج شخصين كلا منهم حامل لمرض الثلاسيميا، فإن أمام هذه العائلة أربع احتمالات في كل مرة تحمل فيها الزوجة نسبة أن يكون الطفل سليماً ٢٥% ونسبة أن يكون الطفل مصاباً أيضاً ٢٥% ونسبة الأطفال الحاملين للمرض تكون ٥٠%. خامساً: الوالد حامل للمرض والوالدة مصابة بالثلاسيميا: في حالة زواج شخصين أحدهما يحمل للثلاسيميا والآخر مصاب فإن في كل مرة تحمل فيها الزوجة تكون احتمالية أن يكون الأطفال مصابين ٥٠% وأن يكون الأطفال حاملين للمرض أيضاً ٥٠%. سادساً: الوالد والوالدة مصابان بمرض الثلاسيميا: في حالة زواج شخصين كلا منهم مصاب بمرض الثلاسيميا فإن جميع أطفال هذه العائلة وللأسف الشديد يكونون مصابون بالمرض نقلاً عن www.moh.gov.sa/des/sections بتصرف. [وهناك نوعان من الثلاسيميا: نوعٌ يكون الشخص فيه حاملاً للمرض ولا تظهر عليه أعراضه، أو قد تظهر أعراض فقر دم بسيط ويكون هذا الشخص قادراً على نقل المرض لأبنائه. ونوعٌ يكون فيه الشخص مصاباً بالمرض وتظهر عليه أعراض واضحة للمرض منذ الصغر. وينتشر مرض الثلاسيميا في جميع أنحاء العالم، ولكن بنسبة أكبر في بعض البلدان، مثل بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد أوضحت الدراسات أن حوالي ٣-٤% من السكان في فلسطين يحملون المرض أي ما يقارب ٨٠-١٠٠ ألف شخص أو أكثر من ذلك ... وتظهر أعراض الإصابة بالثلاسيميا على المريض خلال السنة الأولى من العمر. ونتيجة لتكسر كريات الدم الحمراء مبكراً (السابق لأوانه) ، تظهر أعراض فقرُ دمٍ شديد على النحو التالي: شحوب البشرة، مع الاصفرار أحياناً. والتأخر في النمو، وضعف الشهية. وتكرر الإصابة بالالتهابات. ومع استمرار فقر الدم، تظهر أعراض أخرى مثل التغير في شكل العظام وخاصة عظام الوجه والوجنتين، وتصبح ملامح الوجه مميزة لهذا المرض. كما يحدث تضخم في الطحال والكبد، ويتأخر الطفل في النمو. أما في الحالات البسيطة (لدى حاملي المرض) فقد يحدث فقر دم بسيط لدرجة لا يكون المرض فيها بادياً للعيان ويعيش صاحبه بشكل طبيعي جداً ولا يحتاج إلى أي علاج وقد لا تكتشف هذه الحالات إلا صدفة. والمريض بالثلاسيميا بحاجة إلى نقل دم بشكل دوري لتعويضه عن كريات الدم التي تتكسر وللمحافظة على مستوى مقبول من الهيموغلوبين في دمه. وكثرة نقل الدم إلى المريض تسبب ترسب الحديد بشكل يحمل الضرر لأعضاء جسمه ولذلك فمن المهم أن يحصل المريض على أدوية تساعد على طرد الحديد الزائد من الجسم. ويتم علاج المضاعفات التي قد تظهر لدى المريض حسب كل حالة. وهنالك أبحاث تجري لاكتشاف علاجات أفضل للثلاسيميا وتجرى أحياناً عمليات لزرع نخاع عظمي، ولكن هذه العمليات مكلفة جداً ونتائجها ليست مضمونة. ويعتبر الفحص الطبي قبل الزواج أهم وسيلة للوقاية من الثلاسيميا ويوصى بإجراء هذا الفحص في مجتمعنا للأشخاص المقبلين على الزواج وذلك لتجنب الزواج بين شخصين حاملين للمرض، وهذه الحالة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى ولادة طفل مصاب بالمرض بصورته الشديدة كما تتوفر القدرة على فحص الجنين في الأشهر الأولى من الحمل عند الشك بإمكانية إصابته. والطريقة الوحيدة للوقاية من الثلاسيميا هي تجنب ولادة أطفال مصابين به من خلال ما يلي: ١- الاستشارة الطبية والفحص الطبي قبل الزواج: إجراء المقبلين على الزواج لفحص طبي للتأكد من أنهما لا يحملان الثلاسيميا في آن واحد وخاصة أن نسبة الحاملين للمرض في بلادنا كبيرة. ٢- فحص الجنين في حالة الشك بإصابته بالثلاسيميا للتأكد من الإصابة واتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة. ٣- التقليل من ظاهرة الزواج بين الأقارب فمرض الثلاسيميا كسائر الأمراض الوراثية يزداد انتشاراً في حالة الزواج بين الأقارب إذ يزيد ذلك احتمال نقل الصفات الوراثية غير الحميدة إلى الأبناء. ولكن هذا لا ينفي ضرورة أن يقوم المقبلون على الزواج الذين لا تربطهم صلة قرابة بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج] نشرة حول الثلاسيميا إصدار جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا.
إذا تقرر هذا وظهر أن مرض الثلاسيميا ينتقل من الوالدين إلى أولادهما بالوراثة فيجوز اتخاذ الوسائل المؤقتة لمنع الحمل لتجنب ذلك، بشرط عدم استعمال وسيلة تقطع النسل بشكل نهائي، لأن قطع النسل بشكل نهائي من المحرمات شرعاً، وهذا ما قررته المجامع الفقهية المعتبرة، فقد ورد في قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم ٤٢ بتاريخ ١٣/٤/١٣٩٦هـ: [ ... لذلك كله فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد منه خشية الإملاق، لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} ، وأما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره عملاً بما جاء في الأحاديث الصحيحة وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل، وتمشياً مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة] نقلاً عن موقع islamtoday.net/nawafeth، وورد في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت سنة ١٤٠٩هـ: [وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية، الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وإنه لا يجوز إهدار هذا المقصد، لأن إهداره يتنافى مع النصوص الشرعية وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها قرر ما يلي: ١ - لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب. ٢ - يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يعرف (بالإعقام) أو (التعقيم) ، ما لم تدع إلى ذلك ضرورة بمعاييرها الشرعية. ٣ - يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة بحسب تقدير الزوجين، عن تشاور بينهما وتراضٍ بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم] مجلة المجمع الفقهي العدد ٥ جزء١ ص٧٤٨.
وخلاصة الأمر أن الوقاية من الأمراض الوراثية والسارية والمعدية مطلوبة شرعاً، وهذا ما قررته الشريعة الإسلامية، وهو مما يتفق مع مقاصدها، فلا شك أن من مقاصد الإسلام حفظ النسل، وقد دلت على ذلك نصوصٌ كثيرةٌ من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن هذا المنطلق فإن الفحص الطبي قبل الزواج أمرٌ مطلوبٌ شرعاً، وإذا ثبت إصابة الوالدين أو أحدهما بمرض الثلاسيميا، فالمطلوب منهما اتخاذ الأسباب الكفيلة لمعالجة المرض وما قد ينتج عنه، ويجوز استخدام وسائل منع الحمل المؤقتة لمنع انتقال المرض لأولادهما.