يقول السائل: هل يجوز استعمال مياه المجاري التي تمت تنقيتها في الوضوء والغسل والشرب ونحو ذلك من الاستعمالات؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الماء الطاهر الذي يصح استعماله في جميع الاستعمالات هو الماء المطلق الباقي على أصل خلقته ولم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي اللون والطعم والرائحة فإذا تغير أحد أوصافه الثلاثة فينظر فيما خالطه أطاهر أم نجس؟ وقد فصل الفقهاء الكلام على أحكام المياه في كتبهم والذي يهمنا هنا أن مياه المجاري نجسة بلا ريب. فإذا تمت تنقيتها في محطات تنقية مياه المجاري بالوسائل العلمية الحديثة حيث إن التنقية تتم بإزالة النجاسة من مياه المجاري على أربعة مراحل وهي الترسيب والتهوية وقتل الجراثيم والتعقيم بالكلور، وهذه الطرق كفيلة بإزالة كل أثر للنجاسة في الطعم واللون والرائحة فإذا تمت التنقية بإزالة كل أثر للنجاسة فإن الماء يعود إلى أصل طهوريته لأن الحكم بنجاسة الماء معلل بعلة تغيره فإذا زالت هذه العلة رجع الحكم إلى أصله، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من بئر بضاعة فقال صلى الله عليه وسلم: الماء طهور لا ينجسه شيء) رواه أحمد والترمذي وأبو داود والشافعي وغيرهم وقال الترمذي: حديث حسن. وصححه جماعة من أهل الحديث منهم أحمد ويحيى بن معين وابن حزم من المتقدمين والألباني من المتأخرين. انظر التلخيص الحبير ١/١٢ فما بعدها، إرواء الغليل ١/٤٥. وقد ورد في بعض روايات الحديث السابق:(الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه) . وفي رواية أخرى:(إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) . وقد اتفق المحدثون على أن الاستثناء الوارد وهو قوله: (إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه] لم يثبت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناه صحيح ثابت بالإجماع. قال الحافظ ابن حجر:[قال الشافعي: ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجساً، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافاً. قال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس] التلخيص الحبير ١/١٥. وبناءً على ما سبق فإن المياه التي تنقى في محطات التنقية إذا تمت إزاة كل أثر للنجاسة منها فيجوز استعمالها في الوضوء والغسل وفي سائر الاستعمالات الأخرى. وقد بحثت هذه المسألة سابقاً من عدة مجامع علمية معتبرة فمن ذلك ما صدر عن هيئة كبار العلماء في السعودية حيث جاء في القرار ما يلي:[بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسةٍ يطهر إذا زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه أو زال تغيره بطول مكث أو تأثير الشمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته. وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات كما يشهد بذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم. لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يُرى فيها تغيرٌ بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح ويجوز استعمالها في إزالة الإحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها منها كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس وتفادياً للضرر لا لنجاستها. والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل احتياطاً للصحة واتقاء للضرر وتنزهاً عما تستقذره النفوس وتنفر منه الطباع] غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام ١/١٢٨-١٢٩. وجاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ما يلي:[إن ماء المجاري إذا نقى بالطرق المذكورة أو ما يماثلها ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه صار طهوراً يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه إذا لم يبق لها أثر فيه، والله أعلم] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ص ٩١.