للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥٠ - حكم تأخير زكاة الفطر]

يقول السائل: ما حكم من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد، أفيدونا؟

الجواب: صدقة الفطر أو زكاة الفطر فريضة عند جمهور أهل العلم، وقد ثبتت بأحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها: حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعطيهما في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ أو صاعاً من زبيبٍ، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء -أي القمح الشامي- قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين) رواه البخاري. [قال الإمام الخطابي رحمه الله: قوله (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر) فيه بيان أن صدقة الفطر فرض واجب كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان أن ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما فرض الله، لأن طاعته صادرة عن طاعة الله، وقد قال بفرضية زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم. وقد عُللت بأنها طهرةٌ للصائم من الرفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم غني ذي جِدة أو فقير، يجدها فضلاً عن قوته، إذا كان وجوبها لعلة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب. وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض، وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم محمد بن سيرين وأبو العالية والضحاك وعطاء ومالك وسفيان الثوري والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وقال إسحاق هو كالإجماع من أهل العلم] صحيح الترغيب ص ٤٥٤. وزكاة الفطر أضيفت للفطر فهو سببها، وبناءً على ذلك فوقت وجوبها هو غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، على الراجح من أقوال العلماء، وهو قول جمهور الفقهاء، وقال الحنفية تجب بطلوع فجر يوم العيد. هذا وقت الوجوب. وقال الفقهاء يجوز تقديمها عن وقت الوجوب، فعند الحنفية يجوز تعجيلها من أول العام، وعند الشافعية يجوز تعجيلها من أول شهر رمضان، وعند المالكية والحنابلة يجوز تقديمها بيوم أو يومين لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري. وهذا قول حسن، وثبت من فعل جماعة من الصحابة تعجيلها بيوم أو يومين أو ثلاثة، وهو الأصلح والأنفع للفقراء حتى يتمكن الفقير من الانتفاع بها قبل يوم العيد. وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إخراجها قبل صلاة العيد كما سبق في الحديث (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) قال الشيخ ابن القيم: [وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد، وفي السنن عنه أنه قال: (من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ، ومقتضى هذين الحديثين أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة، وهذا هو الصواب، فإنه لا معارض لهذين الحديثين ولا ناسخ ولا إجماع يدفع القول بهما، وكان شيخنا يقوي ذلك وينصره] زاد المعاد ٢/١٩-٢٠. وصدقة الفطر مؤقتة بوقت محدد وهو قبل صلاة العيد، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، فمن أداها بعد يوم العيد بدون عذرٍ كان آثماً وهو قول الحسن بن زياد من الحنفية، انظر بداية المجتهد ١/١٤٤ تبيين الحقائق ١/٣٠٧ شرح المنهاج ١/ ٥٢٨كشاف القناع ١/ ٤٧١، ويدل على ذلك ما ورد في حديث ابن عمر السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد) ، والأصل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدل على الوجوب، قال الأمير الصنعاني: [وقوله (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) يدل على أن المبادرة بها هي المأمور بها، فلو أخرجها عن الصلاة أثم، وخرجت عن كونها صدقة فطر، وصارت صدقة من الصدقات، ويؤكد ذلك قوله: ولابن عدي والدارقطني بإسناد ضعيف (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم) ... أي الفقراء (عن الطواف) في الأزقة والأسواق لطلب المعاش (في هذا اليوم) أي يوم العيد وإغناؤهم يكون بإعطائهم صدقته أول اليوم] سبل السلام ٣/٢٤٧. وقال الشوكاني: [قوله: (فمن أداها قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد، قوله: (فهي زكاة مقبولة) المراد بالزكاة صدقة الفطر، قوله: (فهي صدقة من الصدقات) يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات، وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله تعالى. والظاهر أن من أخرج الفطرة بعد صلاة العيد كان كمن لم يخرجها باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذهب الجمهور إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحب فقط، وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر، والحديث يرد عليهم. وأما تأخيرها عن يوم العيد فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة واجبة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها] نيل الأوطار٤/٢٠٧. ومما يؤكد أنها تؤدى قبل صلاة العيد حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم، وقال صحيح على شرط البخاري، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب حديث رقم ١٠٨٥. وقال الشيخ العلامة العثيمين: [قوله: "وتكره في باقيه" أي: ويكره أن تخرج زكاة الفطر في باقي يوم العيد، وهذا وقت ثالث لإخراجها؛ وهو من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس يوم العيد، فيكون هذا وقت كراهة؛ وذلك لأن إخراجها بعد الصلاة يفوت بعض المقصود من إغناء الفقراء في هذا اليوم، فلا يحصل لهم الغناء إلا بعد الصلاة، والذي يريد أن يعطيهم ليغنيهم فإنه يجب عليه أن يعطيهم إياها قبل الصلاة؛ لأجل أن يشملهم الفرح جميع اليوم. والدليل على الإجزاء، دخولها في قوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) وهذا ضعيف. والصحيح: أن إخراجها في هذا الوقت محرم، وأنها لا تجزئ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة) ، فإذا أخرها حتى يخرج الناس من الصلاة فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . بل إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما صريح في هذا حيث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) وهذا نص في أنها لا تجزئ، وإذا كانت لا تجزئ فإن الإنسان يكون قد ترك فرضاً عليه بالنص وهو "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر" فيكون بذلك آثماً، ولا تقبل على أنها زكاة فطر ... فعلى هذا يكون وقت إخراج زكاة الفطر على أربعة أقسام: (١) جائز: وهو قبل العيد بيوم أو يومين. (٢) مندوب: وهو صباح يوم العيد قبل صلاة العيد. (٣) مكروه: وهو بعد صلاة العيد إلى غروب شمس يوم العيد. (٤) محرم: بعد غروب شمس يوم العيد وتكون قضاءً. وظاهر كلام المؤلف أنه إذا أخرجها يوم العيد تقع أداء وبعده تقع قضاء. والصواب في هذا والذي تقتضيه الأدلة، أنها لا تقبل زكاته منه إذا أخرها ولم يخرجها إلا بعد الصلاة من يوم العيد، بل تكون صدقة من الصدقات، ويكون بذلك آثماً. وذلك بناء على القاعدة التي دلت عليها النصوص وهي: "إن كل عبادةٍ مؤقتةٍ إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل"] الشرح الممتع٦/١٠٦. وبناءً على ما سبق فإذا أخرت زكاة الفطر حتى انقضاء يوم العيد بغروب الشمس، فأكثر الفقهاء على أن ذلك التأخير حرام ولكنها لا تسقط بل تبقى ديناً في ذمته حتى يخرجها. قال الشيخ ابن حزم الظاهري: [فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له فهي دين لهم وحق من حقوقهم وقد وجب إخراجها من ماله وحرم عليه إمساكها في ماله، فوجب عليه أداؤها أبداً وبالله تعالى التوفيق ويسقط بذلك حقهم ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة] المحلى ٤/٢٦٦. وورد في الموسوعة الفقهية: [واتفق جميع الفقهاء على أنها لا تسقط بخروج وقتها؛ لأنها وجبت في ذمته لمن هي له، وهم مستحقوها، فهي دين لهم لا يسقط إلا بالأداء؛ لأنها حق للعبد، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يجبر إلا بالاستغفار والندامة]

وخلاصة الأمر أن صدقة الفطر فريضة، وأنها من العبادات المؤقتة بوقتٍ محددٍ، ووقتها المفضل قبل صلاة العيد، ويكره تأخيرها إلى غروب شمس يوم العيد، ويحرم تأخيرها عن ذلك الوقت، وإذا أخرها عنه فتبقى ديناً في الذمة ولا تسقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>