يقول السائل: ما المقصود بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنا لنبش في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم) ؟
الجواب: إن النص المذكور، ذكره الإمام البخاري معلقاً غير مجزوم به عن أبي الدرداء رضي الله عنه، حيث قال الإمام البخاري:" باب مداراة الناس، ويذكر عن أبي الدرداء، وإنا لنكشر في وجوه أقوام إن قلوبنا لتلعنهم ". فهذا الكلام ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلا م أبي الدرداء رضي الله عنه. والكشر هو ظهور الأسنان وأكثر ما يطلق عند الضحك قاله الحافظ في فتح الباري ١٣/١٤٤. ومن المعروف عند أهل العلم أن التعليقات في صحيح البخاري كثيرة، والتعليق هو حذف راوٍ أو أكثر من أول السند ولو إلى آخر الإسناد. وحكم التعليقات في صحيح البخاري أن ما كان منها بصيغة الجزم، كقال وروى وجاء ونحو ذلك مما بني الفعل فيه للمعلوم فهو صحيح إلى من علقه عنه. وما كان بصيغة منها التمريض، كقيل وروي ويروى ويذكر ونحو ذلك مما بني الفعل فيه للمجهول، فلا يستفاد منها صحة ولا ينافيها، هذا ما قرره أئمة المحدثين. قال الحافظ ابن حجر:" إن الأثر المذكور الموقوف على أبي الدرداء، قد وصله جماعة من المحدثين ولكنه ضعيف "، وقد بين وصله في الفتح ١٣/١٤٤. وقال الشيخ الألباني:" لا أصل له مرفوعاً " أي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -، ثم قال:" وبالجملة فالحديث لا أصل له مرفوعاً، والغالب أنه ثابت موقوفاً " أي على أبي الدرداء، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة ١/٢٥٢. وإذا تقرر هذا فأقول: إن المراد بالنص السابق المنسوب إلى أبي الدرداء، هو مداراة الناس، وهي أمر مطلوب شرعاً، نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله:" المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة. وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فأخطأ لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة بالاتفاق والفرق أن المداهنة من الدهان، الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه. والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حتى لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك " فتح الباري ١٣/ ١٤٤ - ١٤٥. وقد ذكر الحافظ أيضاً حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مداراة الناس صدقة) ثم بين الحافظ ابن حجر من رواه وذكره أنه ضعيف. وروى حديث جابر المذكور الحافظ ابن حبان، ثم قال:" المداراة التي تكون صدقة للمداري هي تخلق الإنسان الأشياء المستحسنة مع من يدفع إلى عشرته ما لم يشبها بمعصية الله. والمداهنة هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة، وقد يشوبها ما يكره الله جل وعلا " صحيح ابن حبان ٢/٢١٨. *****