يقول السائل: هل يثاب الإنسان على المصائب التي تصيبه كالمرض والعمى وموت قريب؟
الجواب: الذي عليه جمهور العلماء أن الإنسان المؤمن يثاب على المصائب التي تنزل به وتكفر خطاياه وترفع درجته ويزاد في حسناته وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك منها: عن عائشة رضي الله قالت سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: (ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له حسنة أو حطت عنه بها خطيئة) رواه مسلم. وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، والوصب هو المرض والنصب هو التعب. وفي رواية البخاري:(ما يصب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله: إنك لتوعك وعكاً شديداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قال فقلت: ذلك أن لك أجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وغير ذلك من الأحاديث. قال الإمام النووي:[في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقاتها وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه الجماهير] شرح النووي على صحيح مسلم ٦/٩٩-١٠٠. وينبغي أن يعلم أن الذنوب التي تكفرها المصائب والأمراض والهم والغم هي صغائر الذنوب لا كبائرها كما قال جمهور العلماء. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالباً من ألم بسب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أو قلبية تكفر ذنوب من تقع له. وسيأتي في الباب الذي بعده من حديث ابن مسعود:(ما من مسلم يصيبه أذى إلا حاتَّ الله عنه خطاياه) وظاهرة تعميم جميع الذنوب لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر للحديث الي تقدم التنبيه عليه في أوائل الصلاة (الصلوات الخمس والجمعة للجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد ويحتمل أن يكون معنى هذه الأحاديث التي ظاهرها التعميم أن المذكورات صالحة لتكفير الذنوب فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته. ثم المراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المرتب عليه من استحقاق العقوبة] فتح الباري ١٢/٢١٢. وقد اشترط بعض أهل العلم لحصول الثواب والتكفير عن الخطايا والذنوب بأن يصبر المصاب بها ويحتسب أما إذا لم يصبر ولم يحتسب فلا أجر له. قال الإمام أبو العباس القرطبي المحدث: [ومقصود هذه الأحاديث أن الأمراض والأحزان وإن دقت والمصائب وإن قلت أجر المؤمن على جميعها وكفرت عنه بذلك خطاياه حتى يمشي على الأرض وليست له خطيئة كما جاء في الحديث الآخر لكن هذا كله إذا صبر المصاب واحتسب وقال ما أمر الله به في قوله: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) سورة البقرة ١٥٦. فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله به ورسوله من ذلك] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٦/٥٤٦. ولكن الحافظ ابن حجر لم يوافق القرطبي على ذلك ويرى أن مجرد حصول المرض أو غيره مما ذكر يترتب عليه التكفير المذكور سواء انضم إلى ذلك صبر المصاب أم لا. فتح الباري ١٢/٢١٢. ويرى بعض أهل العلم أن الذنوب والمصائب تكون كفارة للذنوب فقط ولا يثاب الإنسان عليها. والذي تؤيده الأدلة أن الذنوب والمصائب تكفر الذنوب ويثاب المؤمن عليها فقد ورد في إحدى روايات حديث عائشة المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) رواه مسلم. وجاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم:(ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة) رواه الطبراني في الأوسط وسنده جيد كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ١٢/٢٠٨. وورد في الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(عجب للمؤمن إذا أصابه خير حمد الله وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته) رواه أحمد، وسنده قوي كما قال محقق شرح السنة ٥/٤٤٨. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وممن جاء عنه أن المريض يكتب له الأجر بمرضه أبو هريرة فعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عنه أنه قال: (ما من مرض يصيبني أحب إليَّ من الحمى لأنها تدخل في كل عضو مني وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر) ومثل هذا لا يقوله أبو هريرة برأيه] فتح الباري ١٢/٢١٣. وقال الحافظ أيضاً:[والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه] المصدر السابق.