للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦ - حكم الخطأ في تحديد يوم عرفة]

يقول السائل: ما قولكم فيما حصل من بلبلة حول بداية شهر ذي الحجة هذا العام والاختلاف في يوم الوقوف بعرفة ويوم عيد الأضحى ثم تراجع السعودية وإعلانها أن وقفة عرفة يوم الأربعاء والعيد يوم الخميس فما قولكم في ذلك أفيدونا؟ الجواب: أعلن مجلس القضاء الأعلى في السعودية أن بداية شهر ذي الحجة لهذا العام ١٤٢٥ هـ هو يوم الأربعاء ١٢ /١/ ٢٠٠٥م وقد جاء في إعلانه [نظراً لأن شهر شوال ثبت دخوله يوم السبت ولم يتقدم أحد يخبر بدخول شهر ذي القعدة يوم الأحد ولأن يوم الثلاثاء / ٣٠ ذي القعدة / حسب تقويم أم القرى هو تمام ستين يوماً بعد شهر رمضان ولم يرد للمجلس عن دخول شهر ذي الحجة ليلة الثلاثاء ما يفيد دخول الشهر وإنما ورد نفي الرؤية وعليه فإن يوم الأربعاء ١ / ١٢ / ١٤٢٥هـ حسب تقويم أم القرى الموافق ١٢ /١/٢٠٠٥م هو أول أيام شهر ذي الحجة وبهذا يكون الوقوف بعرفة يوم الخميس التاسع من ذي الحجة وعيد الأضحى المبارك يوم الجمعة الموافق ٢١ /١/ ٢٠٠٥م.] ثم أصدر مجلس القضاء الأعلى في السعودية بياناً أعلن فيه أنه قد شهد ثلاثة شهود عدول بأنهم قد رأوا الهلال ليلة الثلاثاء، وبناءً على ذلك أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً تصحيحياً أعلن فيه أن الثلاثاء ١١/١/ ٢٠٠٥ في التقويم الميلادي هو غرة ذي الحجة ويوم الأربعاء ١٩/١/٢٠٠٥ هو يوم وقفة عرفة ويوم الخميس ٢٠/١/٢٠٠٥ هو يوم عيد الأضحى المبارك] .

وما قام به مجلس القضاء الأعلى في السعودية هو رجوع عن الخطأ والرجوع عن الخطأ فضيلة وقد سررت كثيراً عندما رجع مجلس القضاء الأعلى في السعودية عن قراره الأول لما في ذلك من تصحيح لوقت عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام وهو الحج بل إن ما فعله مجلس القضاء الأعلى في السعودية هو السنة النبوية حيث ورد في الحديث عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلا الهلال أمس عشية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا) وفي رواية (وأن يغدوا إلى مصلاهم) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة بألفاظ متقاربة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/٤٤٦. وعن أبي عمير بن أنس قال حدثني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (غُمَّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً جاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني وقال: إسناده حسن وأخرجه البيهقي وحسنه. بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني ٩/٢٢٦. وغير ذلك من الأحاديث والآثار. وبهذا يظهر لنا أن تراجع مجلس القضاء الأعلى في السعودية موافق للسنة النبوية مع أني كنت أتمنى أن لا يقعوا في هذا الخطأ وأن يتريثوا في إثبات شهر ذي الحجة.

إذا تقرر هذا فينبغي أن يعلم أن الفقهاء قد قرروا أن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف الناس فيه بعرفة بغض النظر كان اليوم التاسع أو اليوم العاشر فلو وقفوا بعرفة خطأً يوم العاشر من ذي الحجة فحجهم صحيح باتفاق الفقهاء وكذا في العيد عيد الفطر وعيد الأضحى فهما اليومان اللذان يعيد فيهما المسلمون ولو كانا خطأً والخطأ في هذا الباب مغتفر

قال الخطيب الشربيني [قالوا: وليس يوم الفطر أول شوال مطلقاً بل يوم فطر الناس، وكذا يوم النحر يوم يضحي الناس، ويوم عرفة اليوم الذي يظهر لهم أنه يوم عرفة، سواء التاسع والعاشر، وذلك لخبر (الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس) رواه الترمذي وصححه. وفي رواية للشافعي (وعرفة يوم يعرفون) ] مغني المحتاج ١/٥٩٥.

والحديث الذي ذكره الخطيب رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح ونصه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) قال الإمام الترمذي: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا: الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] سنن الترمذي ٣/٨٠.

وقال العلامة ابن القيم: [وقال الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، لا شيء عليهم من وزر أو عنت، وكذلك في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة، ليس عليهم إعادة] حاشية ابن القيم على سنن أبي داود٦/٣١٧. وروى البيهقي بإسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يوم عرفة اليوم الذي يُعرِّف الناس فيه] قال البيهقي: هذا مرسل جيد، أخرجه أبو داود في المراسيل] سنن البيهقي ٥/١٧٦. وروى البيهقي أيضاً بإسناده عن ابن جريح قال: (قلت لعطاء: رجل حج أول ما حج فأخطأ الناس بيوم النحر أيجزىء عنه، قال: نعم إي لعمري إنها لتجزيء عنه. قال: وأحسبه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون. وأراه قال: وعرفة يوم تعرفون] سنن البيهقي ٥/١٧٦.

وقال الشيخ ابن حزم الظاهري [وَمَنْ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَظُنُّهُ التَّاسِعَ , وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْعَاشِرَةَ: فَحَجُّهُ تَامٌّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , لأن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا ; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عليه السلام الْوُقُوفَ بِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ] المحلى ٥/٢٠٣-٢٠٤. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة أجزأهم ذلك لما روى الدارقطني بإسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة الذي يعرف فيه الناس] المغني ٣/٤٥٦

وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي [وإن أخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء] المهذب مع شرحه المجموع ٨/٢٩٢وقال الإمام النووي [وإن غلطوا بيوم واحد فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم وتم حجهم ولا قضاء] المجموع ٨/٢٩٢. ثم قال [فرع في مذاهب العلماء في الغلط في الوقوف: اتفقوا على أنهم إذا غلطوا فوقفوا في العاشر وهم جمع كثير على العادة أجزأهم] المجموع ٨/٢٩٢.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [... ولهذا قالوا: إذا أخطأ الناس كلهم فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم] مجموع الفتاوى ٢٥/١٠٧

وقال الكاساني الحنفي [ولو اشتبه على الناس هلال ذي الحجة فوقفوا بعرفة بعد أن أكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين يوماً ثم شهد الشهود أنهم رأوا الهلال يوم كذا، وتبين أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح، وحجتهم تامة استحساناً ... إلخ] بدائع الصنائع ٢/٣٠٤.

وقال الخرشي المالكي [ ... وكذلك يجزيء إذا أخطأ في رؤية الهلال الجم أي جماعة أهل الموسم بان غم عليهم ليلة ثلاثين من القعدة فأكملوا العدة ووقفوا فوقع وقوفهم بعاشر من ذي الحجة] شرح الخرشي على مختصر خليل ٢/٣٢١.

وأخيراً ينبغي أن يعلم أن المسلمين تبع لأهل الديار المقدسة في مواعيد الحج عرفة وعيد الأضحى قال الشيخ ابن العربي المالكي عند تفسير قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} سورة البقرة الاية ٢٠٣: [ ... وأن سائر أهل الآفاق تبع للحاج فيها] . أحكام القرآن ١/١٤٣. وقال الدكتور محمد سليمان الأشقر [إن المسلمين في جميع أقطار العالم الإسلامي قد أجمعوا إجماعاً عملياً منذ عشرات السنين على متابعة الحجاج في عيد الأضحى ولا يجوز لأي جهة أو مجموعة من الناس مخالفة هذا الإجماع] عن شبكة الإنترنت.

وخلاصة الأمر أن رجوع مجلس القضاء الأعلى في السعودية عن بيانه الأول في هذه الحادثة موافق للسنة النبوية كما أن الخطأ في الوقوف بعرفة أو الخطأ في العيد لا يضر ويجب على المسلم أن يسير مع جماعة المسلمين للحديث المذكور سابقاً [الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون] .

<<  <  ج: ص:  >  >>