يقول السائل: إنه عاقد على زوجته ولم يتم الدخول بعد وأنه قال لها مازحاً: أنت طالق مع العلم أنه لم يقصد طلاقها فماذا يترتب عليه؟
الجواب: إن التلاعب بألفاظ الطلاق من الأمور المنتشرة بين بعض الأزواج الذين يطلقون الألفاظ دون أن يلقوا لها بالاً ودون أن يدركوا ما يترتب على ألفاظهم من أمور قد تعصف بحياة الأسرة وتؤدي إلى تدميرها وما ذكر السائل مثال واضح على التلاعب بألفاظ الطلاق ويدعي أنه غير قاصد للطلاق ويجب أن يعلم أن جماهير أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق عند صدور لفظ الطلاق عن الزوج وإن لم يكن قاصداً للطلاق وهذا هو المعروف عند أهل العلم بطلاق الهازل ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث حسن احتج به الأئمة والعلماء كالإمام الترمذي والحافظ ابن عبد البر والحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام النووي والإمام البغوي والشوكاني والألباني وغيرهم كثير. قال الترمذي بعد أن روى الحديث:[هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم] تحفة الأحوذي ٤/٣٠٤. وقد ذكر الحافظ ابن حجر شواهد للحديث يتقوى بها في التلخيص الحبير ٣/٢٠٩-٢١٠. وكذلك فعل الشيخ الألباني حيث ذكر أربعة شواهد للحديث وآثاراً عن الصحابة ثم قال:[والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها ولو لم يتبين لنا ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم تدل على أن معنى الحديث كان معروفاً عندهم والله أعلم] إرواء الغليل ٦/٢٢٨. وقال الخطابي:[اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنو به طلاقاً أو ما أشبه ذلك من الأمور] معالم السنن ٣/٢١٠. وقال الإمام البغوي:[اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع] شرح السنة ٢/٢٢٠. [وقال القاضي اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظ الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعباً أو هازلاً. لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وقال كل مطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلاً فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه وخص هذه الثلاث لتأكيد أمر الفرج] تحفة الأحوذي ٤/٣٠٤.
وخلاصة الأمر أن طلاق السائل واقع وبما أنه لم يدخل بزوجته حيث أوقع الطلاق قبل الدخول فهذا الطلاق يكون بائناً لأن كل طلاق يقع قبل الدخول يكون بائناً وعليه فيلزمه عقد جديد بمهر جديد كما أنه يجب لمطلقته نصف المهر المذكور بعقد الزواج قال الله تعالى:(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) سورة البقرة ٢٣٧. وهذا ما قررته المادة الحادية والخمسين في قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا. وأخيراً أذكّر الأزواج بأنه لا يجوز شرعاً التساهل والتلاعب بألفاظ الطلاق لما يترتب عليها من هدم للزواج.