للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٠٤ - سنن الصلاة]

يقول السائل: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة آية الكرسي بعد الصلاة المفروضة؟

الجواب: نعم وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة آية الكرسي عقب الصلوات المكتوبات ولكن هذه الأحاديث مختلف في أسانيدها وأمثلها حديث أبي أمامه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني في الكبير وابن السني وغيرهم. وهذا الحديث اختلف المحدثون فيه اختلافاً كبيراً فصححه أو حسنه جماعة وضعفه آخرون وقد اعتبره ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أي المكذوبة ولم يسلم له ذلك قال العلامة ابن القيم: [وهذا الحديث تفرد به محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامه ورواه النسائي عن الحسين بن بشر عن محمد بن حمير. وهذا الحديث من الناس من يصححه ويقول الحسين بن بشر قد قال فيه النسائي: [لا بأس به وفي موضع آخر ثقة. وأما المحمدان فاحتج بهما البخاري في صحيحه قالوا فالحديث على رسمه ومنهم من يقول: هو موضوع وأدخله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه في الموضوعات وتعلق على محمد بن حمير وأن أبا حاتم الرازي قال: لا يحتج به وقال يعقوب بن سفيان: ليس بقوي وأنكر ذلك عليه بعض الحفاظ ووثقوا محمداً وقال: هو أجل من أن يكون له حديث موضوع وقد احتج به أجل من صنف في الحديث الصحيح وهو البخاري ووثقه أشد الناس مقالة في الرجال يحيى بن معين وقد رواه الطبراني في معجمه أيضاً من حديث عبد الله بن حسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى) . وقد روي هذا الحديث من حديث أبي أمامه وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وفيها كلها ضعف ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع تباين طرقها واختلاف مخارجها دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع. وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدس الله روحه أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة] زاد المعاد ١/٣٠٣-٣٠٤. وقال الحافظ المنذري بعد أن ذكر الحديث: [رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري وابن حبان في الصلاة وصححه] وصححه الألباني أيضاً. صحيح الترغيب الترهيب ٢/٢٥٨ وانظر السلسلة الصحيحة ٢/٦٩٧ – ٧٠١. وقال الحافظ المناوي: [وقال ابن حجر في تخريج المشكاة: غفل ابن الجوزي في زعمه وضعه وهو من أسمج ما وقع له. وقال الدمياطي: له طرق إذا انضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة ونقل الذهبي في تاريخه عن السيف ابن أبي المجد الحافظ قال صنف ابن الجوزي كتاب الموضوعات فأصاب في ذكره أحاديث مخالفة للعقل والنقل ومما لم يصب فيه إطلاقه الوضع على أحاديث بكلام بعضهم في أحد رواتها كفلان ضعيف أو لين أو غير قوي وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه ولا يعارض الكتاب والسنة ولا حجة بأنه موضوع سوى كلام رجل في رواته وهذا عدوان ومجازفة فمن ذلك هذا الحديث] فيض القدير ٦/٢٥٦. ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا الموت) أي الموت حاجز بينه وبين دخول الجنة فإذا تحقق وانقضى حصل دخوله. وقيل معنى الحديث أنه لم يبق من شرائط دخول الجنة إلا الموت فكأن الموت يمنع ويقول لا بد من حضوري أولاً ليدخل الجنة. انظر المرقاة شرح المشكاة ٣/٥٦. فهذا الحديث حديث صالح للاحتجاج ولذلك فإن العلماء أنكروا على ابن الجوزي إيراده في الموضوعات كما سبق في كلام الحافظ ابن حجر. ومن الأحاديث الضعيفة الواردة في قراءة آية الكرسي عقب الصلوات المكتوبات ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى) رواه الطبراني وضعفه الألباني في تمام المنة ص٢٢٧ وفي ضعيف الترغيب والترهيب ١/٤٩٠. وسبق ذكره في كلام ابن القيم. ومنها ما روي في الحديث: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله عز وجل حتى يستشهد) رواه ابن السني وهو حديث ضعيف. ومنها ما ورد في الحديث (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة خرقت سبع سموات فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله إلى قائلها فيغفر له ثم يبعث الله ملكاً فيكتب حسناته ويمحو سيئاته إلى الغد من تلك الساعة) . رواه ابن عدي عن جابر مرفوعاً وإسناده باطل وله سند آخر فيه مجاهيل. وقد رواه الحكيم الترمذي عن أنس مرفوعاً] الفوائد المجموعة ص٢٩٩-٣٠٠. ومنها ما روي في الحديث: (من قرأ آية الكرسي وكتب بزعفران على راحة كفه اليسرى بيده اليمنى سبع مرات ويلحسها بلسانه لم ينس أبداً) في إسناده: وضاع. ومنها (من قرأ آية الكرسي لم يتول قبض نفسه إلا الله تعالى) قال تقي الدين السبكي: منكر ويشبه أن يكون موضوعاً. ومنها (من قرأ آية الكرسي على أثر وضوئه أعطاه الله ثواب أربعين عاماً ورفع له أربعين درجة وزوجه أربعين حوراء) في إسناده مقاتل بن سليمان كذاب] الفوائد المجموعة ص٣١١-٣١٢. وغير ذلك من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا يصح الاحتجاج بها. وأخيراً ينبغي التنبيه على أمرين: الأول أنه قد ورد أيضاً قراءة: [قل هو الله أحد والمعوذتين بعد الصلوات المكتوبات] كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: [أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة ٤/١٩. وفي صحيح سنن الترمذي ٣/٨. الثاني: نقل العلامة ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أن المراد بدبر الصلاة آخرها قبل التسليم فقال: [ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده وكان شيخنا يرجح أن يكون قبل السلام فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه كدبر الحيوان] زاد المعاد ١/٣٠٥. وما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من كون ذلك قبل السلام غير مسلم فإن لفظ الدبر يستعمل أيضاً في العقب بمعنى بعد كما يقال أعتق عبده عن دبر أي بعد وفاته. وما ورد في الأحاديث من قوله صلى الله عليه وسلم دبر الصلاة أي بعد التسليم كما ورد في الحديث عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهلل دبر كل صلاة حين يسلم بهؤلاء الكلمات: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) . رواه مسلم. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم. وهكذا في الأحاديث الأخرى الواردة في الذكر دبر الصلاة أي بعد التسليم. قال الحافظ ابن حجر: [وأما رواية " دبر " فهي بضمتين، قال الأزهري: دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون آخره. وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم إلا للجارحة ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيراً بحيث لا يعد معرضاً أو كان ناسياً أو متشاغلاً بما ورد أيضاً بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر) فتح الباري ٢/٤٢٤. وقال المناوي عن قول ابن تيمية السابق: [وفيه بعد] فيض القدير ٦/٢٥٦. ومما يدل على أن المراد بدبر الصلاة أنه بعد التسليم ما ورد في رواية أخرى للحديث: [من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة] أي بعد السلام. انظر الوابل الصيب ص ٢٢١، فيض القدير ٦/ ٢٥٦.

وقد أيدت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية أن دبر الصلاة يكون بعد التسليم فقالت: [تسن قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وتكون القراءة سراً ويكون بعد الانتهاء من الذكر بعد السلام] فتاوى اللجنة الدائمة ٧/١٠٨.

وخلاصة الأمر أنه يستحب قراءة آية الكري وقل هو الله أحد والمعوذتين بعد انتهاء الصلاة ويقرؤها سراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>