للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠ - مكانة الصِّديقة بنت الصِّديق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عند أهل السنة والجماعة

يقول السائل: ما هو الحكم الشرعي فيمن شتم ولعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كما حصل من بعض الشيعة، أفيدونا؟

الجواب: من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن حب الصحابة الكرام جزء من عقيدة المسلم، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب العقيدة المرضية عند أئمة أهل السنة والجماعة: [ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيان] العقيدة الطحاوية ص٦٨٩، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] شرح العقيدة الواسطية ص ١٤٢.وقد قامت على صحة هذه العقيدة ألا وهي حب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وحرمة سبهم وحرمة بغضهم، عشراتُ الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانعقد إجماع الصحابة على ذلك، فمن الآيات الكريمات الدالة على ذلك وفيها ثناء الله على الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة الآية ١٠٠.وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} سورة الحشر الآيات ٨-١٠. وأما الأحاديث النبوية فمنها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري ومسلم. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم فقال: (استوصوا بأصحابي خيراً ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... ) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٤٢٩.ونص أهل العلم على وجوب احترام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وأنه يحرم الطعن فيهم أو سبهم أو الانتقاص منهم. قال الإمام مالك: [الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له نصيب في الإسلام] السنة للخلال ٢/٥٥٧، وقال أبو زرعة الرازي: [إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق] ولتكن ممن يقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ] انظر صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي ص٣٩١-٣٩٢. وقال الإمام النووي: [واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون] ثم نقل عن القاضي عياض قوله: [وسب أحدهم-أي الصحابة- من المعاصي الكبائر] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٧٢-٧٣. وقال الإمام الآجري: [ومن سبهم فقد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق اللعنة من الله عز وجل ومن الملائكة ومن الناس أجمعين] ، وقال الإمام الآجري أيضاً: [لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة من الله عز وجل ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، لا فريضةً ولا تطوعاً، وهو ذليل في الدنيا، وضيع القدر، كثر الله بهم القبور وأخلى منهم الدور] من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية ص١٥. إذا تقرر هذا فلا بد من بيان الأمور التالية: أولاً: إن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قد برأها الله من الافتراءات والكذب الصراح الذي ذكره الشيعي المعمم في لندن، ولا شك أن وصفها بتلك الأوصاف الشنيعة، إنما هو قذف لعرض النبي صلى الله عليه وسلم، وطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكذيب لكلام ربنا عز وجل الذي برأ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من فوق سبع سموات، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ، لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثِلهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} سورة النور الآيات١١-٢٠ إلى أن قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآية ٢٣. وقد اتفق أهل العلم على أن هذه الآيات قد نزلت في حق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في أعقاب حادثة الإفك المعروفة، وقال ابن كثير: [أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافر لأنه معاند للقرآن] تفسير ابن كثير ٤/٥٢٥. وكذلك فإن الطعن بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فيه تنقيصٌ وشتمٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال عز وجل: {الخبيثات للخبيثين} قال ابن كثير: [أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة، لأنه أطيب من كل طيبٍ من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له شرعاً ولا قدراً، ولهذا قال تعالى {أولئك مبرءون مما يقولون} أي عما يقوله أهل الإفك والعدوان] تفسير ابن كثير ٤/٥٢٨. ثانياً: عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين بنص الكتاب العزيز، قال الله تعال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} سورة الأحزاب الآية ٦، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضلها منها: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) رواه البخاري، وروى الإمام البخاري بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت من الرجال، قال: أبوها. قلت ثم من؟ قال: عمر) . وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام، قالت: قلت وعليه السلام ورحمة الله) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من الأحاديث. ثالثاً: إن طعن الشيعة في عائشة وأبيها وحفصة وأبيها وفي بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ليس أمراً جديداً، بل موجود في كتبهم ومتداول بينهم منذ أن وجدت هذه الطائفة، فشتم الصحابة عموماً وعائشة خصوصاً موجود في مصادرهم المعتمدة القديمة مثل "الكافي" للكليني, و"الأنوار النعمانية", و"من لا يحضره الفقيه", و "بحار الأنوار", و "تفسير القمي" و"مشارق أنوار اليقين" و"البرهان في تفسير القرآن" و"الهداية الكبرى" وغيرها، وموجود في كتبهم المعاصرة مثل "مصباح الفقاهة" و"حق اليقين في معرفة أصول الدين"، فما قاله شيعي لندن المعمم ليس مستغرباً، بل وصل الأمر بالعاملي من شيعة لبنان المعاصرين إلى أن يؤلف كتاباً بعنوان "خيانة عائشة"، فهذا جزء من اعتقاد الشيعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشيعة الإثنا عشرية - شيعة إيران- يكفرون معظم الصحابة رضوان الله عليهم، عليهم، فقد ذكر الكليني في كتابه فروع الكافي عن جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي] .

وخلاصة الأمر أن سب الشيعة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها واتهامها في عرضها زندقةٌ واضحة، وهو تكذيبٌ صريحٌ لكلام رب العالمين في تبرئتها، وطعنٌ في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن شيعة اليوم أخطر على الإسلام من شيعة الأمس، نظراً لما يمتلكون من وسائل حديثة في نشر أباطيلهم، وما وقع من شيعي لندن من النيل من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يبين بوضوح وصراحة أكذوبة التقريب بين الشيعة والسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>