يقول السائل: قد فاتته صلاة الصبح لنومه عنها ثم لما استيقظ صلاها فهل يعتبر مؤدياً لها في وقتها؟
الجواب: الأصل في المسلم أن يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) أي مؤقتاً. وإن من أفضل الأعمال أداء الصلاة في وقتها المقدّر لها شرعاً فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم:(أي العمل أفضل؟ فقال: الصلاة على وقتها) رواه البخاري ومسلم. ولكن قد ينام المسلم عن الصلاة أو ينساها فالواجب عليه أن يصلي الصلاة الفائتة إذا استيقظ من نومه أو تذكر فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرَّس - التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم - وقال لبلال: إكلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي بلال فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسك. قال: اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئاً ثم توضأ رسول الله وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه مسلم. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من نسي صلاة فليصل إذا ذكر لا كفارة لها إلا ذاك) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه مسلم. وفي رواية ثالثة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه مسلم. وهذه الأحاديث تدل على وجوب قضاء الصلاة الفائتة بمجرد أن يتذكر الناسي أو يستيقظ النائم. وكثير من الفقهاء يرون أن قضاء الفائتة واجب على الفور أي أن الناسي إذا تذكر والنائم إذا استيقظ وجب ليهما قضاء ما فات ولا يجوز لهما تأخير ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:(لا كفارة لها إلا ذاك) قال الخطابي: [يحتمل وجهين أحدهما: أنه لا يكفرها غير قضائها والآخر أنه لا يلزمه في نسيانها غرامة ولا زيادة تضعيف ولا كفارة من صدقة ونحوها كما تلزم في ترك الصوم من رمضان من غير عذر الكفارة وكما تلزم المحرم إذا ترك شيئاً من نسكه فدية من دم أو إطعام إنما يصلي ما ترك سواء وليس هذا على العموم حتى يلزمه إن كان في صلاة أن يقطعها ولكن معناه: أن لا يغفل أمرها ويشتغل بغيرها فإن في حديث أبي قتادة أنهم لما ناموا عن صلاة الفجر ثم انتبهوا بعد طلوع الشمس أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقودوا رواحلهم ثم صلاها] شرح السنة ٢/٢٤٤. وأما قول هذا المصلي الذي فاتته الصلاة فصلاها بعدما استيقظ من نومه فهل يوصف فعله بالأداء أم القضاء فالذي عليه الأصوليون أن الأداء هو فعل الواجب في وقته المقيد به شرعاً والقضاء هو فعل الواجب خارج وقته المقيد به شرعاً. انظر تيسير التحرير ٢/١٩٨. فإذا نظرنا في صلاة هذا النائم وقد صلاها خارج وقتها أي بعد طلوع الشمس فإنه يكون قاضياً لها لا مؤدياً بناءً على هذا الاصطلاح ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) رواه البخاري ومسلم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن صلاة النائم والناسي خارج الوقت تعتبر أداءً لما ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها) . فهذا الحديث رواه البيهقي والدارقطني والطبراني وقد ضعفه البخاري والبيهقي والهيثمي وغيرهم. قال البيهقي بعد أن ذكر رواية أبي هريرة السابقة: [كذا رواه حفص بن عمر بن أبي العطاف عنه عن أبي الزناد عن القعقاع بن حكيم أو عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو منكر الحديث. قال البخاري وغيره: الصحيح عن أبي هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا ليس فيه: (فوقتها إذا ذكرها) ] سنن البيهقي ٢/٢١٩. وقال الهيثمي: [وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها) رواه الطبراني في الأوسط وفيه حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو ضعيف جداً] مجمع الزوائد ١/٣٢٢. وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ١/١٥٥. وكذا ضعفه صاحب التعليق المغني على سنن الدارقطني ١/٤٣٣. وأما ما قاله الإمام الشوكاني:[واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان لا يكون فعلها بعد خروج وقتها المقدر لها لهذا العذر قضاء وإن لزم ذلك باصطلاح الأصول لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى ينتهض دليل يدل على القضاء] نيل الأوطار ٢/٣٠. فهو أخذ منه بظاهر النصوص ولكن ورد في نصوص أخرى ما يوافق ما عليه أهل الأصول أن ذلك يعتبر قضاءً لا أداء وسواء قلنا إن الفعل في هذه الحالة يوصف بالأداء أو القضاء فلا يترتب عليه كبير أثر وإنما الواجب هو أن يصلي المصلي تلك الصلاة بمجرد انتباهه من نومه أو تذكره. ويجب أن يعلم أنه يجب الترتيب في قضاء الصلوات الفوائت كما هو مذهب جمهور الفقهاء ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:(جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله: والله ما صليت صلاة العصر حتى كادت أن تغيب - أي الشمس - قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا والله ما صليتها بعد. قال فنزل إلى بُطحان - وهو واد بالمدينة - فتوضأ وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ثم صلى المغرب بعدها) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء) رواه الترمذي والنسائي ومالك وسنده جيد. الفتح الرباني ٢/٣٣.
وكذلك فينبغي التنبيه على أن الصلوات التي تقضى هي الصلوات الخمس باتفاق الفقهاء لما سبق من الأدلة، وتقضى السنن الرواتب عند كثير من الفقهاء فقد ثبت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة الفجر صلى سنتها قبلها. رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يصل ركعتي الفجر فليصلها بعدما تطلع الشمس) رواه الترمذي والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ١/١٣٣. وقال أكثر أهل العلم إن صلاة الوتر إذا فاتت تقضى فقد ورد في الحديث عنى أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من نام عن الوتر أو نسيه فليوتر إذا ذكره أو استيقظ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ١/١٤٥.