الجواب: إن الصلاة من مقامات وقوف العبد بين يدي ربه عز وجل وهذا المقام يقتضي الخشوع والخضوع لله تعالى وقد قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) سورة المؤمنون الآيتان ١-٢. قال ابن كثير: [ ... عن ابن عباس (خَاشِعُونَ) خائفون ساكنون وكذا روي عن الحسن ومجاهد وقتادة والزهري ... وقال الحسن البصري كان خضوعهم في قلوبهم فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح ... والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عمن عداها وآثرها على غيرها وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرت عيني في الصلاة) ] تفسير ابن كثير ٣/٢٣٨. وقال الألوسي: [وفي تقديم وصفهم في الخشوع بالصلاة على سائر ما يذكر بعد ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع وجاء أن الخشوع أول ما يرفع من الناس ففي خبر رواه الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال: يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحاكم وصححه عن حذيفة قال:(أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة) ] تفسير الألوسي ٩/٢٠٨. وقال العلماء أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح وقد ورد عن سعيد بن المسيب أنه لما رأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة قال:[لو خشع قلبه لخشعت جوارحه] .
والمطلوب من المسلم إذا قام في صلاته أن يخشع بقلبه وجوارحه فقلبه يخضع وجوارحه تهدأ وتسكن ولا تتحرك وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم. وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ولا تكلم بكلام تعتذر منه وأجمع الإياس مما في أيدي الناس) رواه أحمد والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع الصغير ١/١٩٠. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه] رواه الحاكم وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع الصغير ١/٣٢٠. وقد وردت عن السلف حكايات كثيرة في خشوعهم في صلاتهم حريّ بنا أن نقرأها ونستفيد منها وانظر بعضها في إحياء علوم الدين ١/١٤٩-١٥١. إذا تقرر هذا وأن الخشوع مطلوب في الصلاة فلا شك أن الضحك في الصلاة مما ينافي الخشوع ويدل على اشتغال العبد عن ربه وانصرافه عنه. وقرر العلماء أن الضحك بصوت مبطل للصلاة، قال الإمام النووي: [وأما الضحك والبكاء والأنين والتأوه والنفخ فإن بان - أي ظهر - منه حرفان بطلت صلاته وإلا فلا) المجموع ٤/٧٩. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[وإن ضحك فبان حرفان فسدت صلاته وكذلك إن قهقه ولم يكن حرفان وبهذا قال جابر بن عبد الله وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة والنخعي والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً. قال ابن المنذر أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها] المغني ٢/٣٩-٤٠. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[والأظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية فإنها تنافي الخشوع الواجب في الصلاة وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض مقصود الصلاة فأبطلت لذلك لا لكونها كلاماً] الاختيارات العلمية ص ٥٩. والضحك يكون مع الصوت بحيث يسمع نفسه ومن قرب منه والقهقهة تكون بصوت مرتفع وأما التبسم فيكون بدون صوت والضحك والقهقهة يبطلان الصلاة كما سبق وأما التبسم فلا يبطلها وإن كان مخلاً بالخشوع.
وخلاصة الأمر أن من ضحك في صلاته فصلاته باطلة ويجب عليه أن يعيدها ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويكثر من الاستغفار ولا يعود لمثل ذلك مستقبلاً.