للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٩٣ - القرعة]

يقول السائل: نحن ثلاثة شركاء في قطعة أرض قمنا بتقسيمها واختلفنا في تحديد حصة كل منا فعملنا قرعة لتحديد الحصص فما حكم الشرع في القرعة؟

الجواب: إن القرعة مشروعة في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبيان ذلك كما يلي:

١. يقول الله سبحانه وتعالى في قصة مريم عليها السلام: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) سورة آل عمران الآية ٤٤.

قال الإمام العربي المالكي في تفسيره للآية السابقة: [روي أن زكريا قال: أنا أحق بها خالتها عندي. وقال بنو إسرائيل: نحن أحق بها بنت عالمنا فاقترعوا عليها بالأقلام وجاء كل واحد منهم بقلمه واتفقوا أن يجعلوا الأقلام في الماء الجاري فمن وقف قلمه ولم يجر في الماء فهو صاحبها ... ] أحكام القرآن ١/٢٧٣.

٢. ويقول الله عز وجل في قصة يونس عليه السلام: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) سوة الصافات الآيتان ١٣٩-١٤١.

ذكر الطبري: [أن يونس عليه السلام لما ركب في السفينة أصاب أهلها عاصفة من الريح فقالوا هذه بخطيئة احدكم فقال يونس وعرف أنه هو صاحب الذنب: هذه خطيئتي فألقوني في البحر وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم (فساهم فكان من المدحضين) فقال لهم قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا بسهامهم الثالثة فكان من المدحضين] تفسير القرطبي ١٥/١٢٤.

وقد استدل العلماء بهاتين الآيتين على مشروعية القرعة بالإضافة إلى الأحاديث التي سأذكرها فيما بعد. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب القرعة في المشكلات وقوله عز وجل إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم] وقال ابن عباس: [اقترعوا فجرت الأقلام مع الجرية وعال قلم زكريا الجرية فكفلها زكريا] .

وقوله تعالى: (فَسَاهَمَ) أقرع-فكان من المدحضين-من المسهومين) صحيح البخاري مع الفتح ٦/٢٢١.

وقد ثبتت القرعة في شريعتنا الإسلامية بأحاديث كثيرة منها:

أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا) رواه البخاري ومسلم.

ب. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسئه فأيهن خرج سهمها خرج بها معه) رواه البخاري ومسلم.

ج. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف) رواه البخاري.

د. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثاً ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولاً شديداً) رواه مسلم.

وقد أخذ جمهور أهل العلم بالقرعة واعتبروها من الطرق المشروعة لإظهار الحقوق واعتبروها طريقاً من طرق الحكم في القضاء الشرعي وقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استعملها كما سبق.

وقد بيّن الإمام القرافي ضابط استعمال القرعة فقال: [اعلم أنه متى تعنيت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره. لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة.

ومتى تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعاً للضغائن والأحقاد بما جرت به الأقدار وقضى بها الملك الجبار ... ] الفروق ٤/١١١.

وما قام به الشركاء في السؤال عمل صحيح لا شيء فيه لأنهم لجأوا إلى تحديد حصة كل منهم بالقرعة وهذا من المواضع التي تستعمل فيها القرعة، وقد أجاز الفقهاء ذلك، وفي استعمال القرعة تطييب للقلوب ورضا كل شريك بحصته.

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>