يقول السائل: إنه يعمل عند شخص غير مسلم وقد أهداه هدية فقبلها فما حكم ذلك؟
الجواب: يجوز للمسلم أن يقبل الهدية من غير المسلم بشرطها كما سأذكر فيما بعد ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية غير المسلمين وأهدى لهم. قال الإمام البخاري: [" باب قبول الهدية من المشركين " وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر ابراهيم عليه السلام بسارة فدخل قرية فيها ملك أو جبار، فقال: أعطوها آجر - هاجر -. وأُهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم. وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه برداً وكتب إليه ببجرهم] . ثم روى البخاري بسنده عن أنس قال:(أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال: والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا. وقال سعيد عن قتادة عن أنس: إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه:(أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال: لا. فما زلت أعرفها في لهوات - جمع لهات وهي سقف الحلق - رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال:(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بيعاً أم عطية؟ أو قال: أم هبة؟ قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى وأيم الله ما في الثلاثين ومائة إلا وقد حز النبي صلى الله عليه وسلم له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاها إياه وإن كان غائباً خبأ له فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ٦/١٥٨-١٦٠. قال الحافظ ابن حجر:[قوله باب قبول الهدية من المشركين، أي جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك وهو ما أخرجه أبو موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال: إني لا أقبل هدية مشرك، الحديث. رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح. وفي الباب حديث عياض بن حمار أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال: أسلمت؟ قلت: لا، قال: إني نهيت عن زبد المشركين. والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة الرفد صححه الترمذي وابن خزيمة] فتح الباري ٦/١٥٨. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن النهي عن قبول هدية المشركين المذكور في الحديث السابق منسوخ كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح ٦/١٥٨. ونقل العيني عن الخطابي قوله:[يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخاً لأنه صلى الله عليه وسلم قبل هدية غير واحد من المشركين أهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له أكيدر دومة فقبل منهما] عمدة القاري ٩/٤٣٦. وقد ذكر العيني عدداً من الأحاديث في قبول النبي صلى الله عليه وسلم لهدايا الكفار منها: (عن أنس أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس) رواه مسلم. ومنها حديث بلال رضي الله عنه الطويل في قصة الدين الذي تحمله بلال رضي الله عنه فقال له رسول الله:(أبشر فقد جاء الله بقضائك. ثم قال: ألم تر الركائب المناخات الأربع؟ فقلت: بلى. فقال: إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك. ففعلت) رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني صحيح الإسناد. صحيح سنن أبي داود ٢/٥٩٢. وعن عبد الله بن الزبير قال:(قدمت قتيلة ابنة عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها) رواه أحمد والطبراني وجوّده، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/١٥٢. وغير ذلك من الأحاديث. وخلاصة الأمر أنه يجوز قبول هدية غير المسلمين بشرط أن تكون الهدية مما له قيمة في عرف الشرع فلا يجوز للمسلم أن يقبل الخمر كهدية لأن الخمر مال غير متقوم شرعاً. كما أنه يجوز أن للمسلم أن يهدي لغير المسلم وخاصة إذا كان ذا رحم للمسلم، قال الإمام البخاري: [باب الهدية للمشركين وقوله الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) . ثم روى البخاري بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(رأى عمر حلة على رجل تباع، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد، فقال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم) . وروى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:(قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك) صحيح البخاري مع الفتح ٦/١٦٠-١٦٢. وذكر الحافظ ابن حجر أن المراد من سياق الآية التي ذكرها البخاري بيان من يجوز بره من المشركين وأن الهدية للمشرك إثباتاً ونفياً والتواد المنهي عنه في قوله تعالى:(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فتح الباري ٦/١٦٠. ?????