[٩ - حكم الحج عن السجين المحكوم عدة مؤبدات]
يقول السائل: ما حكم الحج عن السجين المحكوم عدة مؤبدات أفيدونا؟ الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على جواز دخول النيابة في الحج في الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى الميت: يجوز الحج عن الميت فقد ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله! إن أبي مات ولم يحج.
أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق) رواه النسائي ٥/١١٨.
قال أبو إسحق الشيرازي: [ولأنه حق تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كديْن الآدمي، ويجب قضاؤه عنه من الميقات لأن الحج يجب من الميقات ويجب من رأس المال؛ لأنه ديْن واجب، فكان من رأس المال كديْن الآدمي] المهذب مع شرحه المجموع ٧/١٠٩.
الحالة الثانية: المريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه والمعضوب وهو الذي لا يثبت على الراحلة أو من لا يستطيع السفر لاعتلال صحته وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على ذلك:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم وذلك في حجة الوداع) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: (قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) .
وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر) رواه النسائي، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي ٢/٥٥٦، والظعن أي الارتحال والسفر.
وعن عبد الله بن الزبير قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله فقال: (إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزىء أن أحج عنه قال: آنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحج عنه) رواه النسائي وأحمد والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صالح. التلخيص الحبير ٢/٢٢٥.
وقد أخذ جمهور أهل العلم بمقتضى هذه الأحاديث فأجازوا الحج عن الميت وأجازوا الحج عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه ولا يستطيع تحمل مشاق السفر وكذلك الكبير الذي لا يحتمل مشاق السفر فيجوز الحج عن هؤلاء بشرط أن يكون النائب وهو من يحج عن غيره قد حج عن نفسه وهذا قول الشافعية والحنابلة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه كما قال الشيخ ابن قدامة في المغني ٣/٢٣٥. ويدل على هذا الإشتراط ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل ٤/١٧١
إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز الحج عن سوى ما ذكر فلا يجوز الحج عن السجين حتى ولو كان محكوماً عدة مؤبدات كما ذكر السائل ولا يصح إلحاق السجين بالميت أو المعضوب والسجين غير مستطيع للحج فلا يجب عليه الحج والله سبحانه وتعالى لا يكلفنا إلا بما نستطيع لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) سورة آل عمران الآية ٩٧. وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) سورة البقرة الآية ٢٨٦
وكذلك فإن السجين يرجى إطلاق سراحه مهما طالت مدة سجنه ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفك أسر المأسورين وأن يردهم إلى أهلهم سالمين ومهما طال الليل فلا بد أن يعقبه الفجر.