يقول السائل: نلاحظ كثيراً من الخطباء والوعاظ والمدرسين، يذكرون في خطبهم ومواعظهم ودروسهم، أحاديث ضعيفة بل مكذوبة أحياناً، فما حكم ذكر هذه الأحاديث في الخطب والمواعظ والدروس؟ الجواب: إن الأحاديث الضعيفة الواهية والموضوعة (المكذوبة) آفة قديمة، انتشرت بين المسلمين بشكل كبير، فتجد كثيراً من الكتب والمؤلفات تحوي الأحاديث الساقطة والمكذوبة، وكثير من الخطباء يرددونها دون علم بحالها، وهذا أمر جد خطير، لأن هؤلاء قد يدخلون في دائرة الكذب على الرسولصلى الله عليه وسلم، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعاقبته وخيمة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . قال الحافظ ابن حبان:" فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرةرضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) ، وقال محققه شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان ١/٢١٠، وقال الشيخ الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه السلسلة الضعيفة ١/١٢. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً.... الخ) . فهذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يعرفون التمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم، فيسهم هؤلاء الخطباء والوعاظ وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. كما ينبغي أن يعلم أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. وقد يقول قائل: أن رواية الأحاديث الضعيفة جائزة في فضائل الأعمال فمن هذا الباب يذكرها الخطباء والوعاظ وأمثالهم. ونقول: إن قاعدة العمل بالحديث الضعيف ليست على إطلاقها، كما هو مقرر عند أهل الحديث، بل إن هناك شروطاً للعمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال، نقلها الحافظ السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر وهي: ١ - أن يكون ضعف الحديث غير شديد، فيخرج من ذلك من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب. ٢ - أن يكون الحديث الضعيف مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً. ٣ - أن لا يعتقد عند العمل ثبوته، لئلا ينسب إلى النبيصلى الله عليه وسلم ما لم يقله، مقدمة صحيح الترغيب والترهيب ص١٨. وبناءً على ما تقدم، فإني أنصح كل من يذكر حديثاً عن الرسولصلى الله عليه وسلم أن يتثبت من ذلك الحديث، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس. ومن فضل الله وكرمه أن المكتبة الحديثية غنية، وقد خدم العلماء سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام خدمات عظيمة وجليلة، وبينوا أحوال الأحاديث من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف، ولا يقبل أن نأخذ الأحاديث من كل من هب ودب وننسبها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب على الرسولصلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره، كما جاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:(إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . *****