[١٢٨ - المضاربة]
يقول السائل: اتفق عدد من الأشخاص على أن يدفعوا مبلغاً من المال لشخص على أن يتاجر لهم بأنواع معينة من البضائع ولكن هذا الشخص أدخل في التجارة أنواعاً أخرى من البضائع ويتاجر بها لنفسه فما حكم تصرفه؟
الجواب: هذا الاتفاق يعتبر عقد مضاربة عند الفقهاء ويسميه بعض العلماء عقد قراض أيضاً، والمضاربة مشروعة عند أهل العلم وإن لم يرد نص صحيح صريح من الكتاب والسنة في خصوصها قال الشيخ ابن حزم: [كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلاً فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد] نيل الأوطار ٥/٣٠١.
وقال ابن المنذر: [وأجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز] الإجماع ص ٥٨.
وقد استدل العلماء على جواز المضاربة بأدلة عامة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واحتجوا ببعض الأحاديث والآثار في ذلك كما سأبين.
قال الماوردي: [والأصل في إحلال القراض وإباحته عموم قول الله عز وجل: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) سورة البقرة الآية ١٩٨، وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء] الحاوي الكبير ٧/٣٠٥.
وجاء عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي) رواه البيهقي والدارقطني وقوى الحافظ إسناده كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار ٥/٣٠٠.
وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: (خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا: وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهم المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل م جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً فقال عمر: قد جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال) ورواه الدارقطني أيضاً، قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح، نيل الأوطار ٥/٣٠٠ وانظر الاستذكار ٢١/١٢٠.
وقد وردت آثار أخرى عن الصحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، قال الشوكاني: [فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير إجماعاً منهم على الجواز] نيل الأوطار ٥/٣٠٠-٣٠١.
إذا ثبتت مشروعية المضاربة فنعود إلى ما ورد في السؤال فأقول:
إذا كانت المضاربة مطلقة أي غير مقيدة بشرط يمنع المضارب من خلط ماله مع مال المضاربة فلا بأس بذلك فالمضارب في السؤال طلب منه أن يتاجر في أنواع معينة من البضائع لشركائه فأضاف هو أنواعاً أخرى لنفسه فلا بأس بذلك وعمله صحيح بشرط أن يميز ماله من مال شركائه وبشرط أن لا يعطل مال شركائه فلا يعطيه الجهد المطلوب.
فإذا كان المضارب يستطيع العمل في المالين فله أن يخلط ماله بمال المضاربة، قال الحطاب من المالكية: [وللعامل أن يخلط القراض بماله إذا كان قادراً على التجر بهما وإن كان لا يقدر على التجر بأكثر من مال القراض لم يكن ذلك له] شرح الحطاب على مختصر خليل.