يقول السائل: ما الحكم فيما يفعله بعض الأزواج عندما يطلق الواحد منهم زوجته طلقة رجعية فإنه يطردها من بيت الزوجية وفي حالات أخرى تخرج المرأة من بيت الزوجية بإرادتها عندما يطلقها زوجها طلقة رجعية؟
الجواب: يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) سورة الطلاق الآية ١. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) فأضاف الله عز وجل البيوت لهن.
قال القرطبي: [أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى:(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) وقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك] تفسير القرطبي ١٨/١٥٤ ومما يدل على أن المعتدة تقضي العدة في بيت الزوجية ما ورد في الحديث عن فُرَيعة بنت مالك قالت: " خرج زوجي في طلب عبيد له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتى نعيه وأنا في دارٍ شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته وليس المسكن له، فتحولت إلى أهلي وإخواني، فكان أرفق لي في بعض شأني، فقال:(تحولي) ، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني فقال:(امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله) ، قالت: فاعتددت أربعة أشهر وعشراً " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:(وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها عمر وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وقال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ... وإذا ثبت هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان مملوكا لزوجها أو بإجارة أو عارية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة (امكثي في بيتك) ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض ألفاظه (اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك) وفي لفظ (اعتدي حيث أتاك الخبر) فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه) المغني ٨ /١٥٨- ١٥٩
وهذا الحديث وإن كان في عدة الوفاة إلا أن جمهور أهل العلم يرون أن المطلقة رجعياً لها نفس الحكم وخاصة أن الآية المذكورة أولاً دلت على ذلك، وبناء على ما سبق فإن الواجب على المطلقة رجعياً أن تبقى في بيت الزوجية ولا يجوز لزوجها أن يخرجها ولا يجوز لها أن تخرج لعل الزوج يراجعها وقد نص قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا في المادة ١٤٦ على ذلك فقد جاء فيها (تعتد معتدة الطلاق الرجعي والوفاة في البيت المضاف للزوجين بالسكن قبل الفرقة) .
وخلاصة الأمر أن المطلقة طلاقاً رجعياً تعتد في بيت الزوجية ولا يجوز إخراجها إلا إذا ارتكبت الفاحشة ولا يجوز لها أن تخرج وبقاؤها في بيت الزوجية من دواعي مراجعتها.