يقول السائل: ما هي مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة، أفيدونا؟
الجواب: أذكر أولاً مكانة المسجد الأقصى المبارك عند أهل السنة والجماعة فمن ذلك قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الإسراء الآية ١. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث صحيح. وعن إبراهيم التيمي عن أبيه قال سمعت أبا ذر رضي الله عنه قال (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام قال قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه) رواه البخاري ومسلم، وقد وردت بعض الأحاديث في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى فمن ذلك: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/٧، ورواه البزار وقال إسناده حسن الترغيب والترهيب ٢/١٧٥. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال:(تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً) رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم. وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد ٤/٧ وصححه العلامة الألباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم ٢٩٠٢، تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص ٢٩٤.
إذا تقرر هذا فإن الشيعة لهم رأي آخر في مكانة المسجد الأقصى المبارك كما يؤخذ من مراجعهم فمن ذلك ما يلي: زعم الشيعة أن المسجد الأقصى المذكور في أول سورة الإسراء إنما هو البيت المعمور الذي في السماء وليس المسجد الأقصى المعروف في بيت المقدس فقد ورد في تفسير الصافي للكاشاني ١/ ٦٦٩ – ٦٧٠ في تفسير قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) يعني إلى ملكوت المسجد الأقصى. قال:" ذاك في السماء، إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله ". وجاء في تفسير القمي عن الباقر عليه السلام أنه كان جالساً في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلى إسماعيل الجعفي فقال أي شئ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قال يقولون أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فقال ليس كما يقولون ولكنه أسري به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم. وقال العياشي عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسرى برسول الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: "مسجد الكوفة أفضل منه] تفسير الصافي ٣/ ١٦٦. وجاء في كتاب منتهى الآمال لعباس القمي ص ٧٠:[ ... والمشهور على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس ولكن يظهر من الأحاديث الكثيرة أن المراد منه هو البيت المعمور الذي يقع في السماء الرابعة وهو أبعد المساجد] .
وروي الكليني في كتابه الكافي والطوسي في كتاب التهذيب، وابن قولوبه في كتاب كامل الزيارات، بالإسناد عن أبي عبد الله الصادق قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين – أي علي رضي الله عنه - وهو في مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فردَّ عليه، فقال: جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى، فأردت أن أسلم عليك، وأودعك، قال عليه السلام: وأي شيء أردت بذلك؟ ، فقال الفضل، جعلت فداك، قال عليه السلام: فبع راحلتك، وكل زادك، وصل في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة -، فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة، والنافلة عمرة مبرورة، والبركة منه على اثني عشر ميلاً، يمينه يمن، ويساره مكرمة، وفي وسطه عين من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء، شراب للمؤمنين، وعين من ماء، طاهر للمؤمنين. منه سارت سفينة نوح، وصلى فيه سبعون نبياً، وسبعون وصياً، أنا أحدهم، وقال بيده في صدره، ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله تعالى، وفرج عنه كربته. الكافي للكليني ٣/ ٤٩١ – ٤٩٢، وسائل الشيعة ٣/٥٢٩. وقد حرَّف الشيعة حديث شد الرحال المشهور في الصحيحين:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى) وجاءوا برواية مكذوبة على علي رضي الله عنه ونصها (عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول عليه السلام، ومسجد الكوفة.) وسائل الشيعة ٥/٢٥٧. ومن المعلوم أن الشيعة يقدسون أماكن لم تثبت لها أي قداسة لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ومن ذلك تقديسهم لكربلاء وخاصة قبر الحسين فعن أبي عبد الله قال:(إذا أردت الحج ولم يتهيأ لك، فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك حجة، وإذا أردت العمرة ولم يتهيأ لك فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك عمرة) وسائل الشيعة ١٠/٣٣٢. بل تدرج بهم الغلو إلى الاعتقاد بأفضلية زيارة قبر الحسين في كربلاء على الحج فعن أبي عبد الله قال: (من زار قبر " الحسين " يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم عليه السلام وألف ألف: عمرة مع رسول الله، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بموعدي وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه، وسمي في الأرض كروبياً) وسائل الشيعة ١٠/٣٦٠. ومما يقدسه الشيعة مسجد الكوفة، فقد روى الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام عن هارون بن خارجة قال له: كم بينك وبين مسجد الكوفة، يكون ميلاًَ؟، قلت: لا، قال: أفتصلي فيه الصلاة كلها؟ قلت: لا، قال: أما لو كنت حاضراً بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة أو تدري ما فضل ذلك الموقع، ما من نبي ولا عبد صالح إلا وقد صلى في مسجد الكوفة حتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لما أسري به إلى السماء قال جبرائيل أتدري أين أنت يا محمد؟ أنت الساعة مقابل مسجد كوفان قال فاستأذن ربي حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين فنزل فصلى فيه وإن ميمنته روضة من رياض الجنة وإن وسطه روضة من رياض الجنة وإن مؤخره عروسة من رياض الجنة والصلاة فيه فريضة تعدل بألف صلاة والنافلة فيه بخمسمائة صلاة وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً) . وورد عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: أي البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله؟ قال عليه السلام: الكوفة! يا أبا بكر! هي الزكية الطاهرة، فيها قبور البيين والمرسلين، وغير المرسلين، والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل! الذي لم يبعث نبياً إلا وقد صلى فيه، وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه، والقوام من بعده، وهي منازل النبيين، والأوصياء الصالحين. وسائل الشيعة ٣/٥٤٧. وغير ذلك من الترهات والأكاذيب. وقد زعم الشيعة أن كل ما جاء في السنة النبوية من فضائل المسجد الأقصى إنما هو من صنع الأمويين.
وخلاصة الأمر أن الشيعة لا ينظرون إلى المسجد الأقصى المبارك كما ينظر أهل السنة، فالمسجد الأقصى عند الشيعة إنما هو في السماء، ومن يقر منهم بأنه المعروف في بيت المقدس فمسجد الكوفة أفضل منه، ولا شك أن هذا محض افتراء على دين الله فلم تثبت أي فضيلة لمسجد الكوفة لا في الكتاب ولا في السنة.