يقول السائل: حصل نقاش حول واجب المسلمين تجاه إخوانهم في قطاع غزة وذكر أحدهم حديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟
الجواب: ورد هذا الحديث بعدة روايات كلها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فصَّل العلامة الألباني الكلام عليها في السلسلة الضعيفة فذكر ما يلي: [" من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم " موضوع – أي مكذوب - أخرجه الحاكم وسكت عليه وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ... وأحسب الخبر موضوعاً. قلت - أي الألباني- وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ثم ذكر الألباني رواية ثانيةً للحديث " من أصبح وهمه الدنيا، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا ".
ضعيف جداً أخرجه الطبراني في " الأوسط " وأما الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " رواه الطبراني وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو متروك، وأشار المنذري إلى تضعيفه، قلت: وقد أنكر أبو حاتم أحاديثه عن أبي الأشعث كما في الجرح والتعديل وهذا منها كما ترى، وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة. ثم ذكر الألباني روايةً ثالثةً للحديث " من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم " موضوع، ابن بشران في الأمالي والحاكم، ثم ذكر الألباني رواية رابعةً للحديث" من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لا يصبح ويمسي ناصحاً لله ورسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم " ضعيف. أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط ... ] السلسلة الضعيفة ١/٣٢٠-٣٢٤ بتصرف واختصار.
وهذا الحديث وإن كان غير ثابتٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن معناه صحيح وورد في معناه أدلة كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث معتبر في المعنى وإن لم يثبت من حيث الإسناد، وقد سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا الحديث فقال: [الحديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث ضعيف ليس بصحيح، ومعناه أن الذي لا يهتم بأمور المسلمين بالنظر إلى مصلحتهم، والدفاع عنهم إذا حصل عليهم خطر، ونصر المظلوم، وردع الظالم، ومساعدتهم على عدوهم، ومواساة فقيرهم إلى غير هذا من شئونهم، معناه أنه ليس منهم، وهذا لو صح من باب الوعيد، وليس معناه أنه يكون كافراً، لكنه من باب الوعيد والتحذير، والحث على التراحم بين المسلمين، والتعاون فيما بينهم، ويغني عن هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبَّك بين أصابعه) . وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) . وهو معناه أنه لا يتم إيمانه ولا يكمل إيمانه الواجب إلا بهذا، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) . فجعل المسلمين شيئاً واحداً، وجسداً واحداً، وبناءً واحداً، فوجب عليهم أن يتراحموا، وأن يتعاطفوا، وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق، وأن يعطف بعضهم على بعض، وهذه كلها تكفي عن الحديث الضعيف الذي ذكره السائل ... ] موقع الشيخ على الإنترنت. ولا شك أن سكوت المسلمين عما يحصل لأهلنا في غزة هاشم يعد من باب الكبائر، ويعتبر خيانة لله ورسوله وللمؤمنين، وقد قال الله تعالى:{إنما المؤمنون إخوة} سورة الحجرات الآية ١٠، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم، قال القاضي عياض:[فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً. وقال ابن أبي جمرة: شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخلَّ المرءُ بشيءٍ من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها، كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب.] فتح الباري ١٠/٥٤٠. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ٦٦٦٦. وغير ذلك من النصوص، فكل مسلم يفهم حقيقة هذا الدين فهماً صحيحاً، لا بد أن يقدم ما يستطيع لنصرة المسلمين المستضعفين الذين يتعرضون لأشرس الحروب وأقذرها، ومن لم يفعل فعليه أن يراجع نفسه، لأن منهج أهل السنة والجماعة يقضي أن يقف المسلم مع أخيه المسلم، وأن يكون عوناً له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضاً وشبَّك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) . ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء.] العقيدة الواسطية
وأما من يخذل المسلمين ويسهم في حصارهم ويمنع العون عنهم فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من امرئٍ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته.) رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ٥٦٩٠. إذا تقرر هذا فإن واجب المسلمين هو نصرة إخوانهم المسلمين ومدُّ يد العون والمساعدة لهم كلٌ حسب وسعه وطاقته، وأقل ذلك الدعاء لهم، ومن ذلك القنوت في الصلوات المفروضات، وهذا هو قنوت النوازل، فمن الثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت أحياناً في النوازل التي كانت على عهده صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري. وفي رواية أخرى عند البخاري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ أو يدعو لأحدٍ قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} سورة آل عمران الآية ١٢٨. وفي رواية عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد ... ) والذي يؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها مشروعية القنوت عند النوازل والمصائب والبلايا العامة في الصلوات الخمس ويقنت الإمام جهراً في جميع الصلوات بعد الركوع ويجوز قبله فإذا ارتفعت النازلة ترك القنوت. وختاماً يجب التذكير ببعض القضايا الهامة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام فمن ذلك أنه لا بد من التوكل على الله سبحانه وتعالى وأن نفوض أمرنا لله عز وجل فالأمور كلها بيده يعز من يشاء ويذل من يشاء. ولا بد للمسلم الصادق أن يطهر إيمانه من الولاء للكافرين وليحذر المسلم من أن يحب ظهور الكافرين على المسلمين أو يتمنى ذلك أو يشمت بما حصل للمسلمين، فإن هذا يطعن في إيمانه. وعلى المسلم الصادق أن يوقن أن الله قد وعد هذه الأمة بالتمكين لدينه ونصر أوليائه قال الله تعالى:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة المجادلة الآية ٢١.
وخلاصة الأمر أن حديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ليس ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح، وواجب الأمة المسلمة جمعاء، نصرة المسلمين المستضعفين، ومدهم بكل عونٍ ومساعدة، وأقلُ ذلك الدعاء لهم بنصرهم وتأييدهم، والدعاء على عدوهم وأعوانه ومناصريه بالهزيمة والخذلان.