للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - مسابقة ملكة الجمال أمر محرم شرعا ومناف لقيمنا وأخلاقنا]

يقول السائل: ما الحكم الشرعي في مسابقة ملكة الجمال، وما حكم المشاركة فيها، أفيدونا؟

الجواب: لعل من الأمور البدهية التي لا يجهلها مسلم، أن مسابقة ملكة الجمال تتنافى مع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، وما هي إلا تقليدٌ أعمى للغربيين الذين صنعوها، وما مسابقة ملكات الجمال إلا امتهانٌ للمرأة واحتقار لشأنها، وجعلِ جسدها كالسلعة التي يُقلبها المتسوقون، وفيها استغلال لجسد المرأة في الإعلانات التجارية لتسويق البضائع وترويجها، وهذه المسابقات مظهر من مظاهر الانحلال والميوعة، ومحاربة الفضيلة ودعوة للرذيلة، وإشاعة للفحشاء والمنكر في المجتمع، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} سورة النور الآية ١٩. ومسابقة ملكات الجمال عودة إلى سوق النخاسة، بل هي أسوأ من ذلك، حيث كانت الجواري لا يبعن لجمالهن فقط، وإنما لصفاتٍ أخرى فيهن كالفصاحة والبلاغة والتدين ونحو ذلك. وفكرة مسابقة ملكات الجمال من الإفرازات الخبيثة للثقافة الغربية، يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمة الله عليه: [من أبرز مظاهر مكر الحضارة الغربية بالمرأة ابتداعها مسابقات ملكات الجمال، وملكات الأناقة، وملكات الإغراء وملكات لا نهاية لممالكهن الوهمية، هل في ذلك إلا دليلٌ على رغبة الرجل الغربي في الاستمتاع بأنوثة المرأة، ودليلٌ على أن المرأة عندهم لا تهمُّها كرامتها بقدر ما يهمها لفت الأنظار إلى جمالها وأنوثتها؟ ... مسابقات ملكات الجمال مناسبة لاستمتاع رجال التحكيم والمتفرجين بأجسام الفتيات المتسابقات تحت ستار مشروع في رأي هذه الحضارة ... مسابقات ملكات الجمال، رقيةُ الساحر الماكر لاستخراج الفتيات من بيوت آبائهن إلى حيث يصبحن تحت سلطته وتصرفه ... التقت فتاة جميلة عاقلة، مع فتاة جميلة ساذجة دخلت مسابقة ملكات الجمال، فقالت هذه لتلك بغرور ساذج: لقد صرتُ مشهورة، تنشرُ الصحف صوري وتنقل وكالات الأنباء أخباري. فقالت الأخرى: إن اللوحة الفنية التي لم تلمسها الأيدي أغلى ثمناً وأبلغ لفتاً للأنظار من التي لمستها الأيدي حتى غيرت روعة ألوانها الطبيعية ... مرت فتاةٌ مغرورة ممن دخلت مسابقات ملكات الجمال بطائر حبيس في شبكة الصياد، فبكت حرقةً له، فقال لها الطائر الحبيس: لا تبكي على من لا تزال أمامه فرصة للإفلات من الشبكة، ولكن ابكي على من لم يعد يستطيع الإفلات منها بحال من الأحوال، ابكي على نفسك أيتها المسكينة لو كان لك عقل تفكرين به. ملكات الجمال يُنسيْنَ بعد أيام، ولكن العالمات والمخترعات والأمهات اللاتي ولدن عظماء التاريخ، سيظل يَذكُرهن التاريخ ما بقي إنسان يقرأ التاريخ] كتاب هكذا علمتني الحياة ص ١١١- ١١٢. وهذه بعض النصوص الشرعية التي تؤصل لتحريم مسابقة ملكة الجمال من جميع جوانبها، سواء تنظيمها أو المشاركة فيها بأي شكل من الأشكال، يقول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف الآية ٢٧. ولا شك أن عرض الفتيات في هذه المسابقات ما هو إلا عرضٌ لأجسادهن العارية، وكشفٌ لما أمر الله عز وجل بستره وحجبه عن أعين لصوص الأجساد، يقول الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... } سورة النور الآية٣١، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب الآية ٥٩. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) رواه مسلم. وقد حذرنا الله عز وجل أن نسير وراء كل ناعق ممن يسعون إلى تدمير البقية الباقية من ديننا وأخلاقنا، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} سورة آل عمران الآية ١٠٠. وورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجة وأبو نعيم في حلية الأولياء ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ١/١٦٧. ولا شك أن مسابقة ملكة الجمال من المنكرات التي يجب شرعاً إنكارها وعدم السكوت عليها، يقول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} سورة آل عمران الآية ١١٠. وبناءً عل ما سبق يتقرر ما يلي: أولاً: يحرم شرعاً تنظيم مسابق ملكة الجمال والدعوة للمشاركة فيها. ثانياً: يحرم المساهمة في هذه المسابقة بأي شكل من الأشكال، كالإعلان عنها، وتقديم أي شيء يسهم فيها. وكذلك يحرم حضورها. ثالثاً: يحرم شرعاً مشاركة الفتيات فيها، ويحرم على أولياء أمورهن السماح لهن بالمشاركة فيها بأي صورة من الصور، ومن يسمح لبنته أو أخته للمشاركة فيها، فهو ديوث كما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) . وجاء في رواية أخرى: (ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء) وفيها: (فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي بمن دخل على أهله، قيل فما الرجلة؟ قال: التي تتشبه بالرجال) رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال العلامة الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح سنن النسائي ٢/٥٤١، السلسلة الصحيحة حديث رقم ١٣٩٧. قال ابن منظور: [الديوث هو الذي لا يغار على أهله] لسان العرب ٤/٤٥٦، وقال العلامة علي القاري: [والديوث الذي يُقرُ أي يُثبتُ بسكوته على أهله، أي من امرأته أو جاريته أو قرابته، الخبث أي الزنا أو مقدماته وفي معناه سائر المعاصي كشرب الخمر وترك غسل الجنابة ونحوهما، قال الطيبي أي: الذي يرى فيهن ما يسوءه ولا يغار عليهن ولا يمنعهن فيقر في أهله الخبث] مرقاة المفاتيح ٧/ ٢٤١. وقال العلامة ابن القيم: [وذكر الديوث في هذا الحديث وما قبله يدل على أن أصل الدين الغيرة، من لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فترفع السوء والفواحش، وعدمها يميت القلب فتموت الجوارح، فلا يبقى عندها دفع البتة، والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة كأنه الهلاك] فيض القدير ٣/٤٣٠-٤٣١. رابعاً: يجب شرعاً منع إقامة هذه المسابقة، لأنها منكرٌ عظيم، ونوع من الإفساد في الأرض، وفي منعها محافظة على أخلاق مجتمعنا وقيمنا وعاداتنا الطيبة، ووقاية لنا من النار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} سورة التحريم الآية ٦. خامساً: واجب العلماء والدعاة والمربين وخطباء المساجد، إنكار هذه المسابقة الخبيثة والتحذير منها ومن شرورها. وأخيراً فإني لأستغرب سكوت الجمعيات النسوية - التي تزعم أنها تدافع عن المرأة وعن كرامتها- عن هذا الانتهاك الصارخ لحقوق المرأة، وعن هذا التعدي على كرامة المرأة، أم أن التعري وعرض لحوم النساء في المزادات اللاأخلاقية يندرج تحت لافتة تحرير المرأة!؟

وخلاصة الأمر أن مسابقة ملكة الجمال فكرة وافدة خبيثة، يُحرمها دينُنا وتعارضها أخلاق شعبنا وعاداته وقيمه الطيبة، فهي أمر محرم شرعاً ويحرم تنظيمها أو المشاركة فيها بأي شكل من الأشكال. وهي من المنكرات فيجب شرعاً إنكارها، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا المرابط في بيت المقدس وأكنافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>