[١٥٩ - مصافحة المرأة الأجنبية حرام شرعا]
يقول السائل: ما هو الحكم الشرعي في مصافحة الرجل لابنة عمه أو ابنة خالته؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن المصافحة هي الأخذ باليد وكلامنا هنا في مصافحة المرأة الأجنبية وهي التي يحل للشخص نكاحها سواء كانت ابنة عمه أو ابنة خاله أو غير ذلك، فإذا علم هذا فقد اتفق علماء الأمة من السلف والخلف على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولم يعرف لهم مخالف على مر العصور والأزمان فيما أعلم، والأدلة متضافرة على تحريم ذلك فمنها:
١. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت المؤمنات إذا هاجرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... الخ الآية) ، قالت: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن صلى الله عليه وسلم: أنطلقن فقد بايعتكن، لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ أخرى للبخاري عن عائشة قال (فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً لا والله وما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله بايعتك على ذلك) .
٢. عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن: نبايعك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن، قالت: فقلت: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لمرأة واحدة) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
٣. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان لا يصافح النساء في البيعة) رواه أحمد وقال الهيثمي وإسناده صحيح.
٤. عن معق بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني والبيهقي، قال المنذري ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
٥. إن الإسلام حرم النظر إلى المرأة الأجنبية من غير سبب مشروع بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأة أجنبية فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فقال: إصرف بصرك) رواه مسلم. وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وهو حديث حسن، والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة وإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى اللمس لأن اللمس أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر حيث أن اللمس أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعياً للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك.
وقد اشتبه على قوم حديث وارد في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم فهموا منه جواز المصافحة وهو حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا (أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلقت فرجعت فبايعها) رواه البخاري. فقد زعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع النساء مصافحة بدليل قولها: (فقبضت امرأة منا يدها) وهذا الفهم خطأ بين لما يلي:
أ. إن المراد بقبض اليد في الحديث التأخر عن القبول كما قال الحافظ ابن حجر ومثل ذلك قوله تعالى في حق المنافقين (ويقبضون أيديهم) فهو كناية عن عدم الإنفاق في سبيل الله. ومما يرد هذا الزعم ما جاء في رواية أخرى لحديث أم عطية السابق.، رواها الإمام مسلم في صحيحه عن عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت: لما نزلت هذه الآية (يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً) قالت كان منه النياحة، قالت: فقلت: يا رسول الله إلا آل فلان كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم. فقال عليه السلام: إلا آل فلان) . ومثل ذلك ما ورد في رواية أخرى لحديث أم عطية عند النسائي. فهذه الروايات الثلاث لحديث أم عطية يظهر منها أن المراد بقولها فقبضت امرأة منا يدها التأخر عن قبول المبايعة فلم تبايع مباشرة ولكنها أخرت البيعة حتى تذهب لإسعاد المرأة التي أسعدتها في الجاهلية، بدليل قولها: (ثم أجيئك فأبايعك) كما في رواية النسائي وهي رواية صحيحة.
ب. إن الروايات الثابتة والصريحة الواردة في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء تؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة، وحديث أم عطية ليس فيه ذكر للمصافحة أصلاً.
ج. وأما ما ورد في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم صافح النساء بحائل وكان على يده ثوب وأن عمر صافحهن عنه فكل ذلك لا يصح ولا يثبت كما قال أهل الحديث. وقد زعم بعض الناس أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمصافحة لا يدل على أن على المسلمين أن يتأسوا به صلى الله عليه وسلم في ذلك. لأن التأسي لا يكون إلا بأفعاله وهو لم يفعل شيئاً سوى أنه امتنع عن المصافحة.
وهذا خطأ واضح لأن التأسي يكون بالترك أيضاً فالتأسي في الحقيقة هو فعل، قال الآمدي: [أما التأسي بالغير فقد يكون بالفعل والترك] . وقال الشوكاني: [تركه صلى الله عليه وسلم للشيء كفعله له في التأسي به] . ويكفي هذا القدر من الأدلة لأن المقام لا يحتمل مزيداً من التفصيل.