[١١٨ - الخصومات]
النزاع على الأراضي, يقول السائل: كثرة في الآونة الأخيرة الخلافات بين الناس حول أدعاء ملكية الأراضي ويحاول بعض الناس إثبات ملكيتهم بحلف الأيمان أو إبراز الحجج والإثباتات ونحو ذلك وقد ترتب على تلك الخلافات حوادث مؤسفة من قتل وشجار وخصام بين الناس فما الحكم الشرعي في ذلك؟
الجواب: لعل من أهم أسباب حدوث النزاع والخصام حول الأراضي وانتشار ذلك في هذه الأيام حيث إننا نطالع في الصحف إعلانات يدعي أصحابها ملكية أرض وإعلانات أخرى ترد على اولئك المدّعين وتنقض دعواهم ونحو ذلك من الخلافات.
أقول: لعل من أهم أسباب ذلك التهالك على الدنيا وضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس حيث أن بعض الناس يأكلون أموال غيرهم بالباطل ويتوصلون إلى ذلك بطرق ملتوية وغير مشروعة.
والإسلام والحمد الله قرر طرق إثبات الحقوق في مثل حالات الخلاف هذه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودمائهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) رواه البيهقي وأصله في الصحيحين وهو حديث حسن.
فإذا ادعى إنسان أن قطعة الأرض الفلانية له وأقام البينة الواضحة الصحيحة على ذلك فهي حق ثابت له ولا يملك القاضي إلا أن يحكم له بذلك، وإذا تعذر ذلك توجه اليمين على المنكر.
ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث عن الأشعث قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله: (شاهداك أو يمينه، قلت: إذاً يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك ثم قرأ هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ... ) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: (قلت: إذن يحلف ولا يبالي، قال عليه الصلاة والسلام: ليس لك إلا ذلك) وينبغي أن يعلم أن غصب الأرض وأخذها ظلماً وعدواناً يعد من الكبائر والعياذ بالله وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من ذلك منها:
١. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة في سبع أرضين) رواه مسلم.
وللعلماء أقوال في تفسير التطويق المذكور في الحديث منها أنه يحمل مثله من سبع أرضين ويكلف إطاقة ذلك.
وقيل يجعل ذلك كالطوق في عنقه كما قال الله تعالى: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قاله اإمام النووي رحمه الله.
وقال الإمام الخطابي رحمه الله: معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين ويؤيد هذا المعنى الحديث التالي:
٢. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شيئاً بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) رواه البخاري وغيره.
٣. عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن أروى بنت أويس خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه في سبع ارضين يوم القيامة اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واجعل قبرها في دارها.
قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها) رواه البخاري ومسلم.
٤. وعن محمد بن إبراهيم أن ابا سلمة حدثه وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض وأنه دخل على عائشة رضي الله عنها فذكر ذلك لها، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) رواه البخاري ومسلم.
٥. وعن أبي مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الغلول –الخيانة – عند الله عز وجل ذراع من الأرض أو في الدار فيقتطع من حظ صاحبه ذراعاً فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة) رواه أحمد وهو حديثٌ حسن وغير ذلك من الأحاديث.
ولا بدَّ من التنبيه إلى أن قضاء القاضي بإثبات الحق لأحد الخصمين لا يجعل ذلك حلالاً إن لم يكن ذلك في الواقع وحقيقة الأمر لأن القاضي يقضي حسب الظاهر ولعل أحد الخصمين يكون ألحن بحجته من الآخر فيظهر أمام القاضي أنه محق وهو في الحقيقة مبطل فيحكم له القاضي بذلك فإن حكم القاضي لا يجعل الحرام حلالاً.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنكم تختصمون إليَّ وإنما أنا بشرٌ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي له بما يقول فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه بقوله فإنما أقطع له قطعةً من النار فلا يأخذها) متفقٌ عليه.
وإن بعض الناس يقدمون على حلف الأيمان الكاذبة ليستولوا بها على حقوق الآخرين ويظنون أن ذلك هيناً وهو عند الله عظيم ولقد شدد الله سبحانه وتعالى في عقوبة هذه الجريمة النكراء يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقتطع الرجل حق امرء مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، فقال، وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما وهو حديثٌ صحيح.