يقول السائل: ما حكم الخشوع في الصلاة وما الأمور التي تعين عليه؟
الجواب: الخشوع في الصلاة مطلوب وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين الخاشعين، يقول الله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) . والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع كما قال الإمام القرطبي. وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة وقد وردت نصوص كثيرة في الخشوع منها: قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) . وقوله تعالى:(قُلْءَامِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) . ومنها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم. وورد في حديث عمر بن عبسة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث:( ... من قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه) رواه مسلم. وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله) رواه مسلم. وحكم الخشوع: سنة من سنن الصلاة عند جمهور أهل العلم وقد صححوا صلاة من يفكر بأمر دنيوي إذا كان ضابطاً لأفعال الصلاة، ولا بد من مراعاة الأمور التالية حتى يخشع المصلي في صلاته:
١. أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
٢. أن يحصر فكره في الصلاة ويبعد أي تفكير آخر.
٣. أن يخشع بجوارحه فلا يتحرك ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فلا يعبث بشيءٍ من جسده ولا بشيءٍ آخر كملابسه.
٤. أن يتدبر القراءة فبذلك يكمل مقصود الخشوع.
وينبغي أن يعلم أن كثرة الحركة بالصلاة تتنافى مع الخشوع لن الخشوع كما ذكرت محله القلب ويظهر أثره على الجوارح وقد جعل بعض العلماء الحركة في الصلاة على خمس أقسام:
١. الحركة الواجبة وهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة كمن كان يصلي لغير القبلة فنبهه آخر إلى أن القبلة عن يمينه أو يساره مثلاً فيجب عليه أن ينحرف لأنه إن بقي على حاله فصلاته باطلة.
٢. حركة مستحبة وهي التي يتوقف عليها فعل مستحب مثل أن يتقدم المصلي إلى صف أمامه صار فيه فراغ فتحرك ليتم الصف فهذه الحركة مستحبة لأن فيها وصلاً للصف.
٣. حركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة بدون حاجة لأنها عبث منافٍ للخشوع كمن ينظر إلى ساعته أثناء الصلاة.
٤. حركة محرمة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة كما يحصل من بعض المصلين من كثرة الحركة في الصلاة في إصلاح ملابسهم أو العبث بأجسادهم ونحو ذلك. ومثل هذه الحركات تكون مبطلة للصلاة ولا شك أن كثرة الحركة في الصلاة تدل على عدم الخشوع وتنقص من الأجر فقد ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال:(منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر) رواه النسائي بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي. ٥. حركة مباحة: وهي الحركة اليسيرة للحاجة كالمرأة التي تصلي وابنها يبكي فيجوز لها حمله أثناء الصلاة وقد ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت زينب في الصلاة) رواه البخاري ومسلم. وكما قلت على المسلم أن يستحضر وهو في الصلاة أنه بين يدي ملك الملوك سبحانه وتعالى فإن هذا يدفعه إلى الخشوع والسكون وعدم الحركة وما أجمل ما قال الشاعر: لأن بها الآراب لله تخضع ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع وأول فرض من شريعة ديننا وكان كعبد باب مولاه يقرع فمن قام للتكبير لاقته رحمة نجيا فيا طوباه لو كان يخشع وصار لرب العرش حين صلاته والآراب: هي الأعضاء. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخشع الناس في صلاته حتى أنه كان يبكي في صلاته كما في الحديث عن مطرف عن أبيه قال:(أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزير كأزير المرجل، يعني يبكي) رواه النسائي وأبو داود بإسنادٍ صحيح. وقد ورد عن الصحابة والتابعين والصالحين أمور عجيبة في الخشوع في الصلاة منها أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلاجذع حائط. وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع الناس لهدتها وإنه لفي المسجد يصلي فما التفت. كان علي بن الحسن رضي الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه فقيل له:[ما هذا الذي اعتادك عند الوضوء؟ فقال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ... ] .