[١٦ - كيف يكون حال مشيع الجنازة]
يقول السائل: كيف ينبغي أن يكون حال من يشيع الجنازة فإننا نرى كثيراً من الناس يحضرون الجنازات ويجلسون في المقبرة ويتحدثون ويتضاحكون منتظرين دفن الميت ثم يعزون أهل الميت ثم ينصرفون؟
الجواب: إتباع الجنازة والصلاة عليها وحضور دفنها من الأمور الثابتة عن الرسولصلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث الصحيح، عن أبي هريرةرضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس، ردُّ السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس) رواه البخاري ومسلم.
وجاء في الحديث أيضاً عن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان، قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري ومسلم.
وينبغي للمسلم الذي يحضر الجنازة عند تشييعها ودفنها، أن يستذكر مصيبة الموت وأن يتعظ ويتفكر في هذا الميت، وأن حال هذا المشيع سيصير إلى مثل ما صار إليه الميت، وهذا التذكر يدفع الإنسان إلى محاسبة النفس والنظر والتفكر في أحواله، فإن كان محسناً إزداد إحساناً وإن كان مسيئاً رجع وثاب إلى الرشد، وهذا التفكر والإتعاظ مقصود من حضور الجنائز فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عودوا المرضى واتبعوا الجنائ تذكّركم الآخرة) رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح أحكام الجنائز ٦٧.
وقد روي في الحديث (أنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمات، ورؤي عليه الكآبة وأكثر حديث النفس) رواه وكيع في الزهد، وله شاهد صحيح، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأن على رؤوسنا الطير) رواه ابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: صحيح، انظر صحيح سنن ابن ماجة ١/٢٥٩، وانظر المشكاة ١٥/٥٣٧.
وقال الفضيل بن عياض: " كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف فيهم ثلاثة أيام "، ورأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال: " أتضحك مع الجنازة! لا أكلمك أبداً ".
وكره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ولا بقول القائل: " إستغفروا لأخيكم "، فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً في جنازة يصيح ويقول: إستغفروا لأخيكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك.
وسُئل سفيان بن عيينه عن السكوت في الجنازة وماذا يجيء به؟ قال: تذكر به حال يوم القيامة، ثم تلا قوله تعالى (وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا) سورة طه/١٠٨.
وقال قتادة: " بلغنا أن أبا الدرداءرضي الله عنه، نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال له: أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يُشغلك عن الضحك ".
وكان مطرف يلقى الرجل من خاصة أهله في الجنازة فعسى أن يكون غائبا فما يزيده على السلام ثم يعرض عنه اشتغالاً بما هو فيه.
ذكر هذه الآثار السيوطي ثم قال: " فهذا خوف هؤلاء السادات من الموت فأما اليوم فغالب من تراه يشهد الجنازة يلهون ويضحكون، وما يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته " الأمر بالإتباع ص٢٥٥.
وأخيراً نختم بما قاله الإمام النووي رحمه الله، قال: " يستحب له - أي الماشي مع الجنازة - أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه، فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والإشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌ عنه في جميع الأحوال فكيف هذا الحال.
واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق ولا تغترن بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياضرضي الله عنه ما معناه: إلزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين، الأذكار ص١٣٦.
*****