يقول السائل: إنه سمع الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة يضعف الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه وهو: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وإن الشيخ القرضاوي يرى أن هذا الحديث لا يصلح للاستدلال على تحريم الموسيقى والأغاني المصاحبة لها فما قولكم في ذلك؟
الجواب: ما قاله الشيخ العلامة القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة قاله منذ زمن طويل فقد ذكر في كتابه الحلال والحرام ص ٢٩٣ ما نصه: [أما ما ورد فيه - أي الغناء - من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه، قال القاضي أبو بكر ابن العربي: لم يصح في تحريم الغناء شيء، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع] . وقال الشيخ القرضاوي نحو هذا الكلام في كتابه فتاوى معاصرة ١/٦٩٠-٦٩١. وفصّل الشيخ القرضاوي الكلام على المسألة في كتابه الإسلام والفن ص ٣٠-٩٠ وفي هذا الكتاب تكلم الشيخ القرضاوي على الحديث المذكور في السؤال فقال: [والحديث وإن كان في صحيح البخاري إلا أنه من المعلقات لا من المسندات المتصلة ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب وقد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث ووصله بالفعل من تسع طرق ولكنها جميعاً تدور على راوٍ تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد ألا وهو هشام بن عمار وهو وإن كان خطيب دمشق ومقرئها ومحدثها وعالمها وثقة ابن معين والعجلي فقد قال عنه أبو داود: حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها، وقال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كل ما دفع إليه قرأه وكل ما لقنه تلقن وكذلك قال ابن سيار: وقال الإمام أحمد: طياش خفيف. وقال النسائي: لا بأس به، وهذا ليس بتوثيق مطلق ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال: صدوق مكثر له ما ينكر. وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدث إلا بأجر ومثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع وخصوصاً في أمر عمت به البلوى. ورغم ما في ثبوته من الكلام ففي دلالته كلام آخر فكلمة المعازف لم يتفق على معناها بالتحديد ما هو؟ فقد قيل الملاهي وهذه مجملة وقيل آلات العزف ولو سلمنا بأن معناها آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى فلفظ الحديث المعلق في البخاري غير صريح في إفادة حرمة المعازف لأن عبارة يستحلون كما ذكر ابن العربي لها معنيان: أحدهما يعتقدون أن ذلك حلال. والثاني أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور إذ لو كان المقصود بالاستحلال المعنى الحقيقي لكان كفراً فإن استحلال الحرام المقطوع به مثل الخمر والزنا المعبر عنه بالحر كفر بالإجماع ولو سلمنا بدلالتها على الحرمة فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والخمر والحرير والمعازف أو كل فرد منها على حدة والأول هو الراجح فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور فهم بين خمر ونساء ولهو وغناء وخز وحرير ولذا روى ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الاشعري بلفظ:(ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في تاريخه وكل من روى الحديث من طريق غير طريق هشام بن عمار جعل الوعيد على شرب الخمر وما المعازف إلا مكملة وتابعة ... ] الإسلام والفن ص ٤١-٤٤. وواضح من كلام الشيخ القرضاوي أنه اتكأ فيه على كلام الشيخ ابن حزم في تضعيف الحديث ورده من حيث السند واستند إلى قول ابن حزم أن كل ما روي في الغناء باطل موضوع. وقد أخطأ الشيخ ابن حزم في هذه المسألة خطأً كبيراً وتابعه الشيخ القرضاوي في خطئه ومعلوم كما قال بعض السلف:[كل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم] وليس أحد من أهل العلم معصوم عن الوقوع في الخطأ. وقد بين أهل الحديث والمحققون من الفقهاء خطأ ابن حزم ومن تابعه في حكمه على الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه حيث قال الإمام البخاري:[وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أوأبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... الخ الحديث] . وهذا الحديث رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم محتجاً به وما رواه البخاري معلقاً مجزوماً به فهو صحيح يحتج به قال الحافظ ابن حجر:[وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولاً إلى من علقه بشرط الصحة أزال الإشكال ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع وصنفت كتاب تغليق التعليق وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولاً في مستخرج الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين فقال حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار قال وأخرجه أبو داود في سننه فقال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده] فتح الباري ١٢/١٥٢-١٥٣.
وقال الإمام النووي: [قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله - يعني ابن الصلاح - وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعاً قادحاً في الصحة واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي وزعمه أنه لم يصح في تحريمها حديث مجيباً عن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف.. إلى آخر الحديث) فزعم أنه وإن أخرجه البخاري فهو غير صحيح لأن البخاري قال فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام. وهذا خطأ من ابن حزم من وجوه: أحدها: أنه لا انقطاع في هذا أصلاً من جهة أن البخاري لقي هشاماً وسمع منه وقد قررنا في كتابنا علوم الحديث أنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان كما يحمل قول الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه وكذا غير قال من الألفاظ. الثاني: أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري. الثالث: أنه وإن كان ذلك انقطاعاً فمثل ذلك في الكتابين - أي الصحيحين - غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك في كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الإرسال الصادر من غيرهما هذا كله في المعلق بلفظ الجزم] شرح النووي على صحيح مسلم ١/١٨-١٩، وانظر الباعث الحثيث ص٣٤-٣٥. ويرى جماعة من أهل العلم أن هذا الحديث ليس معلقاً وإنما هو في صورة المعلق قال الإمام العيني:[والحديث صحيح وإن كانت صورته صورة التعليق وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علقه عنه ولو لم يكن من شيوخه] عمدة القاري ١٤/٥٩١.
وقال العلامة الشيخ الألباني:[وهذا النوع من التعليق صورته صورة التعليق كما قال الحافظ العراقي في تخريجه لهذا الحديث في المغني عن حمل الأسفار ٢/٢٧١، وذلك لأن الغالب على الأحاديث المعلقة أنها منقطعة بينها وبين معلقها ولها صور عديدة معروفة وهذا ليس منها لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري الذين احتج بهم في صحيحه في غير ما حديث كما بينه الحافظ في ترجمته من مقدمة الفتح ولما كان البخاري غير معروف بالتدليس كان قوله في هذا الحديث قال في حكم قوله عن أو حدثني أو قال لي.... ويشبه قول العراقي المذكور قول ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث ص ٧٢ صورته صورة الانقطاع وليس حكمُه حكمَه، وليس خارجاً من الصحيح إلى الضعيف. ثم رد على ابن حزم إعلاله إياه بالانقطاع وسيأتي تمام كلامه إن شاء الله في الفصل الثالث. والمقصود أن الحديث ليس منقطعاً بين البخاري وشيخه هشام كما زعم ابن حزم ومن قلده من المعاصرين كما سيأتي بيانه في الفصل المذكور إن شاء الله تعالى على أنه لو فرض أنه منقطع فهي علة نسبية لا يجوز التمسك بها لأنه قد جاء موصولاً من طرق جماعة من الثقات الحفاظ سمعوه من هشام بن عمار فالمتشبث والحالة هذه بالانقطاع يكابر مكابرة ظاهرة كالذي يضعف حديثاً بإسناد صحيح متشبثاً بإسناد له ضعيف] تحريم آلات الطرب ص ٣٩-٤٠. ويضاف إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر ذكر تسع طرق موصولة للحديث في كتابه تغليق التعليق ٥/١٧-٢٢. قال الحافظ ابن حجر في " تغليق التعليق ": [وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن فيه وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء الحفاظ أثبات وأما الاختلاف في كنية الصحابي فالصحابة كلهم عدول] نقلاً عن تحريم آلات الطرب ص ٨٧. وذكر الشيخ الألباني أن الحديث قد وصله الطبراني والبيهقي وابن عساكر وابن أبي شيبة وأحمد وغيرهم انظر السلسلة الصحيحة ١/١٤، تحريم آلات الطرب ص ٤٥. وذكر الشيخ الألباني أيضاً جماعة من العلماء الذين صححوا الحديث منهم: ١. البخاري ٢. ابن حبان ٣. الإسماعيلي ٤. ابن الصلاح ٥. النووي ٦. ابن تيمية ٧. ابن القيم ٨. ابن كثير ٩. العسقلاني ١٠. ابن الوزير الصنعاني ١١. السخاوي ١٢. الأمير الصنعاني. .... إلى غير هؤلاء ممن لا يحضرني فهل يدخل في عقل مسلم أن يكون المخالفون كابن حزم ومن جرى خلفه وليس فيهم مختص في علم الحديث هل يعقل أن يكون هؤلاء على صواب وأؤلئك الأئمة على خطأ؟! (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ] تحريم آلات الطرب ص ٨٩.
وقال العلامة ابن القيم:[ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئاً كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به. وجواب هذا الوهم من وجوه: أحدها أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه فإذا قال: قال هشام، فهو بمنزلة قوله عن هشام. الثاني: أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صح عنه أنه حدث به. وهذا كثيراً ما يكون لكثرة من رواه عنه عن ذلك الشيخ وشهرته فالبخاري أبعد خلق الله من التدليس الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى بالصحيح محتجاً به فلولا صحته عنده لما فعل ذلك. الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض فإنه إذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه يقول ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر عنه ونحو ذلك فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جزم وقطع بإضافته إليه. الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحاً فالحديث صحيح متصل عند غيره] إغاثة اللهفان ١/٢٥٩-٢٦٠. وأما ما ادعاه الشيخ القرضاوي من أن الحديث مضطرب سنداً ومتناً فكلام غير مسلم، قال الإمام الشوكاني: [ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسه عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعاً. وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى. والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضاً على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا: لا نسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه: أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصاً في التحريم فقد ذكر أبو بكر ابن العربي لذلك معنيين: أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال. الثاني أن يكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجأ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملاً لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه إما أن يكون مشتركاً والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازاً ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ:(ليشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف) ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنى المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضاً يلزم في مثل قوله تعالى (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين) أنه لا يحرم عدم الإيمان بالل إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضاً كما سلف على أنه لا ملجأ إلى ذلك حتى يصار إليه ورابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الانفراد وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله] نيل الأوطار ٨/١١٥-١١٦. ويكفي هذا القدر من كلام أهل العلم وإلا فالمسألة فيها كلام كثير للعلماء في إبطال كلام ابن حزم ومن تابعه. وينبغي أن يعلم أنه على الرغم من كون الشيخ ابن حزم من كبار الفقهاء المجتهدين إلا أن له أوهاماً ليست قليلة في علم الحديث كتسرعه في الحكم على الرجال تعديلاُ وتجريحاً فوقع في أوهام شنيعة كتضعيفه بعض أحاديث الصحيحين وتجهيله عدداً من الرواة الثقاة وغير ذلك من الأوهام ولا يتسع المقام للتفصيل ومن أراد التوسع فيه فلينظر كتاب (الصناعة الحديثية عند ابن حزم) للشيخ علي رضا فقد ذكر مئة وثمانين وهماً لابن حزم في الأحاديث. وأما كلام الشيخ القرضاوي عن هشام بن عمار الذي روى عنه الإمام البخاري الحديث السابق فكلام غير مقبول وغير مسلم. فهشام بن عمار هذا قال عنه الحافظ الذهبي:[الإمام الحافظ المقرئ عالم أهل الشام ... خطيب دمشق ... فقد كان من أوعية العلم ... وثقه يحيى بن معين وقال عنه كيّس كيس ووثقه العجلي وقال النسائي لا بأس به وقال الدارقطني: صدوق كبير المحل. وأطال الذهبي في ترجمته انظر سير أعلام النبلاء ١١/٤٢٠-٤٣٥ وهشام بن عمار احتج به البخاري والنسائي وابن ماجة وغيرهم. وترجم الحافظ المزي لهشام بن عمار وذكر في ترجمته ما يلي: [ ... وقال معاوية بن صالح وإبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم عن يحيى بن معين: كيّس كيّس. وقال العجلي: ثقة. وقال في موضع آخر صدوق. .... وقال عبدان بن أحمد الجواليقي: ... ما كان في الدنيا مثله] تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٣٠/٢٤٧-٢٤٨. وخلاصة الأمر أن الشيخ القرضاوي حفظه الله قد جانب الصواب في هذه المسألة.