[١٨٠ - ضوابط العلاج بالخلايا الجذعية]
يقول السائل: ما هو الحكم الشرعي في استعمال الخلايا الجذعية في العلاج، أفيدونا؟
الجواب: الخلايا الجذعية Stem Cells هي خلايا موجودة في الجنين الباكر ثم يقل عددها بعد ذلك، ولكنها تستمر إلى الإنسان البالغ في مواضع معينة، وهذه الخلايا لها القدرة بإذن الله تعالى لتشكل مختلف أنواع خلايا الجسم والتي تقدر بأكثر من ٢٢٠ نوعاَ من الخلايا المختلفة الأشكال والأحجام والوظائف، وتوجد هذه الخلايا في التكوين الجنيني لما بعد ولادته، وتعتبر مصدراً لبعض أنواع الأنسجة، خاصة الخلايا الجرثومي Germ cells وهي تعطي الخلايا الجنسية، وخلايا الدم، وخلايا الجلد، وقد عرفت فيما بعد باسم الخلايا الجذعية البالغة Adult stem cells،أما الخلايا الجذعية التي حركت المعامل وتعلقت بها الآمال بعد الله سبحانه وتعالى في علاج العديد من الأمراض فهي الخلايا الجذعية الجنينية Embryonic stem cells التي وصفت بأنها سيدة الخلايا لأنها بمثابة (الكل) ، حيث لها قابلية التحول إلى أي نوع من أنواع خلايا الجسم وفق معاملات بيئية محددة في المختبر، ومصادر الخلايا الجذعية هي:
١ ـ الجنين الباكر (الكرة الجرثومية أو البلاستولا) وبالذات من كتلة الخلايا الداخلية.
٢ ـ الجنين الباكر (الخلايا الجنسية الأولية، أو ما يعرف بالخلايا الجرثومية الأولية Primordial Germ Cells) ، وهذا الجنين عمره عدة أسابيع (٤ ـ ٥ أسابيع) ، على عكس الخلايا الجذعية المأخوذة من كتلة الخلايا الداخلية من البلاستولا، التي لا يزيد عمرها عن بضعة أيام (أربعة إلى ستة أيام) .
٣ ـ الأجنة المسقطة في أي مرحلة من مراحل الحمل.
٤ ـ المشيمة والحبل السري بعد الولادة مباشرة.
٥ ـ من خلال الأطفال الأصحاء. ويمكن استعمال الخلايا الجذعية في علاج عدة أمراض كالشلل الرعاش والزهايمر وأمراض القلب والسكري وإصابات النخاع الشوكي كما يقول الطب الحديث، عن شبكة الإنترنت. وقضية الخلايا الجذعية من القضايا الطبية التي أثارت عاصفة دينية وأخلاقية وأثارت إشكالات عديدة على مستوى العالم، وقد تدارست المجامع الفقهية الإسلامية هذه القضية المعاصرة ووضعت لها ضوابط معينة لجواز استعمالها في العلاج، فمن ذلك ما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في السعودية في شعبان ١٤١٠ الموافق ١٩٩٠م، فبعد إطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت في ربيع الأول ١٤١٠هـ وبالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إلا في حالات بضوابط لابد من توافرها: أ- لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، بل يقتصر الإجهاض على الإجهاض الطبعي غير المتعمد والإجهاض للعذر الشرعي، ولا يلجأ لإجراء العملية الجراحية لاستخراج الجنين إلا إذا تعينت لإنقاذ حياة الأم. ب- إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة، فيجب أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها، لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء، وإذا كان غير قابل لاستمرار الحياة، فلا يجوز الاستفادة منه إلا بعد موته بالشروط الواردة في القرار رقم ٢٦ (١/٤) لهذا المجمع.
ثانياً: لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.
ثالثاً: لا بد أن يسند الإشراف على عمليات زراعة الأعضاء إلى هيئة متخصصة موثوقة. والله أعلم. مجلة المجمع (العدد السادس، ج٣ ص ١٧٩١) . كما أن المجمع المذكور اتخذ قراراً آخر في نفس الدورة حول زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ورد فيه: [فبعد إطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت في ربيع الأول ١٤١٠هـ بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وفي ضوء ما انتهت إليه الندوة المشار إليها من أنه لا يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر، وإنما الغرض من هذه الزراعة علاج قصور خلايا معيّنة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السويّ فتودع في مواطنها خلايا مثيلة من مصدر آخر، أو علاج فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات، قرر ما يلي:
أولاً: إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه، وفيه ميزة القبول المناعي، لأن الخلايا من الجسم نفسه، فلا بأس من ذلك شرعاً.
ثانياً: إذا كان المصدر هو أخذها من جنين حيواني، فلا مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم يترتب على ذلك محاذير شرعية. وقد ذكر الأطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها للإنسان باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي.
ثالثاً: إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو خلايا حية من مخ جنين باكر - في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر - فيختلف الحكم على النحو التالي:
أ- الطريقة الأولى: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، بفتح الرحم جراحياً، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، ويحرم ذلك شرعاً إلاّ إذا كان بعد إجهاض طبعي غير متعمد أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، وتحقق موت الجنين، مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنّة في القرار رقم ٥٩ (٨/٦) لهذه الدورة.
ب- الطريقة الثانية: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع للإفادة منها ولا بأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً، وتم الحصول عليها على الوجه المشروع.
رابعاً: المولود اللادماغي: طالما ولد حياً، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر، وعدم وجود البديل، وتحقق الضرورة وغيرها، مما تضمنه القرار رقم ٢٦ (١/٤) من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع. ولا مانع شرعاً من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ - والذي يمكن تشخيصه- للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل، توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المشار إليها. والله أعلم. مجلة المجمع (العدد السادس، ج٣ ص١٧٣٩) . وكذلك فقد ناقش مجلس مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة بمكة المكرمة سنة ٢٠٠٣ هـ موضوع" نقل وزراعة الخلايا الجذعية بتفصيل مصادر تلك الخلايا "، وبما يتفق مع توصيات المنظمة في ندوتها السادسة سنة ١٩٨٩ م سالفة الذكر، فقد جاء في القرار الثالث من قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي ما يلي:"الخلايا الجذعية" وهي خلايا المنشأ التي يخلق منها الجنين، ولها القدرة -بإذن الله- في تشكل مختلف أنواع خلايا جسم الإنسان، وقد تمكن العلماء حديثاً من التعرف على هذه الخلايا، وعزلها، وتنميتها، وذلك بهدف العلاج وإجراء التجارب العلمية المختلفة، ومن ثم يمكن استخدامها في علاج بعض الأمراض، ويتوقع أن يكون لها مستقبل، وأثر كبير في علاج كثير من الأمراض، والتشوهات الخلقية، ومن ذلك بعض أنواع السرطان، والبول السكري، والفشل الكلوي والكبدي، وغيرها. ويمكن الحصول على هذه الخلايا من مصادر عديدة منها:
١.الجنين الباكر في مرحلة الكرة الجرثومية" البلاستولا "، وهي الكرة الخلوية الصانعة التي تنشأ منها مختلف خلايا الجسم، وتعتبر اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب هي المصدر الرئيس، كما يمكن أن يتم تلقيح متعمد لبييضة من متبرعة وحيوان منوي من متبرع للحصول على لقيحة وتنميتها إلى مرحلة البلاستولا، ثم استخراج الخلايا الجذعية منها.
٢. الأجنة السقط في أي مرحلة من مراحل الحمل.
٣. المشيمة، أو الحبل السري.
٤. الأطفال، والبالغون.
٥. الاستنساخ العلاجي، بأخذ خلية جسدية من إنسان بالغ، واستخراج نواتها ودمجها في بييضة مفرغة من نواتها، بهدف الوصول إلى مرحلة البلاستولا، ثم الحصول منها على الخلايا الجذعية.
وبعد الاستماع إلى البحوث المقدمة في الموضوع، وآراء الأعضاء، والخبراء، والمختصين، والتعرف على هذا النوع من الخلايا، ومصادرها، وطرق الانتفاع منها: اتخذ المجلس القرار التالي:
أولاً: يجوز الحصول على الخلايا الجذعية، وتنميتها، واستخدامها بهدف العلاج، أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة، إذا كان مصدرها مباحاً، ومن ذلك- على سبيل المثال - المصادر الآتية:
١. البالغون، إذا أذنوا، ولم يكن في ذلك ضرر عليهم.
٢. الأطفال، إذا أذن أولياؤهم، لمصلحة شرعية، وبدون ضرر عليهم.
٣. المشيمة أو الحبل السري، وبإذن الوالدين.
٤. الجنين السقط تلقائيّاً، أو لسبب علاجي يجيزه الشرع، وبإذن الوالدين. مع التذكير بما ورد في القرار السابع من دورة المجمع الثانية عشرة، بشأن الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل.
٥. اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب إذا وجدت، وتبرع بها الوالدان، مع التأكيد على أنه لا يجوز استخدامه في حمل غير مشروع.
ثانياً: لا يجوز الحصول على الخلايا الجذعية واستخدامها إذا كان مصدرها محرَّماً، ومن ذلك على سبيل المثال:
١. الجنين المسقط تعمُّداً بدون سبب طبي يجيزه الشرع.
٢. التلقيح المتعمد بين بييضة من متبرعة وحيوان منوي من متبرع.
٣. الاستنساخ العلاجي. والله أعلم.
وخلاصة الأمر أن الإسلام لا يعارض البحث العلمي الذي يحقق منافع للناس، فيجوز العلاج باستعمال الخلايا الجذعية، ولكن ضمن الضوابط الشرعية، فلا يجوز شرعاً الحصول على الخلايا الجذعية من مصادر محرمة كالحصول عليها بطريقة الاستنساخ أو بطريق إهلاك الأجنة، ويجوز الحصول عليها من مصادر مباحة بواسطة الحبل السري أو المشيمة أو من الأنسجة أو الأجنة المجهضة تلقائيّاً، وكذلك يجب أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث أضرار نتيجة العلاج الجيني.