للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢١٠ - حكم حمل العروس للمصحف الشريف للتبرك به أثناء ما يسمى "جلوة العروس"]

يقول السائل: ما الحكم الشرعي لما يجري في بعض الأعراس، حيث تحملُ العروسُ المصحفَ الشريفَ للتبرك به أثناء ما يسمى "جلوة العروس"، أفيدونا؟

الجواب: أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم ليكون نوراً مبيناً يهدي الناس سواء السبيل، وجعله كتاب هداية ومنهاجاً للأمة ليسيِّر الناس على هداه قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} سورة الإسراء الآية ٩، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً} سورة الكهف الآيات ١-٣، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} سورة يونس الآية ٥٧، وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء} سورة الزمر الآية ٢٣، وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} سورة ق الآية ٣٧، وغير ذلك من الآيات الكريمات. ولا شك أن تعظيم كتاب الله أمرٌ واجبٌ شرعاً في حق كل مسلم، ومن وقَّر القرآن الكريم، فقد وقَّر الله سبحانه وتعالى، ومن استخف بالقرآن فقد استخف بالله عز وجل، وقد أجمعت الأمة المسلمة على وجوب تعظيم القرآن الكريم، ووجوب تنزيهه وصيانته عن الامتهان والابتذال، ومن القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية ٣٢. ويقول تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية٣٠، قال الإمام القرطبي: [ {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم ... فشعائر الله أعلام دينه ... ] تفسير القرطبي١٢/٥٦. وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (عظِّموا القرآن) تفسير القرطبي ١/٢٩. وقال الإمام النووي: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن، ص ١٠٨. وقال القاضي عياض: [من استخف بالقرآن أو بالمصحف أو بشيء منه فهو كافر بإجماع المسلمين] الآداب الشرعية ٢/٣٩٣. وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي مسألة تعظيم كتاب الله عز وجل وورد في قراره: [وبعد أن استمع المجلس إلى الأبحاث المقدمة في الموضوع المسئول عنه، والمناقشات المستفيضة في ذلك حوله، يؤكد على وجوب تعظيم كتاب الله واتباع هديه، والالتزام بمقاصده؛ فقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن ليكون موعظةً وعبرةً، وشفاءً لما في الصدور، وليهتدي به الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، ويطبقونه في جميع أمور حياتهم، ويتلونه حق تلاوته تدبراً وتذكراً، ويسترشدون به في جميع شؤونهم، ويأخذون أنفسهم بالعمل به في كل أحوالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} سورة يونس الآية ٥٧، وقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} سورة الإسراء الآية ٨٢، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} سورة فصلت الآية ٤٤، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} سورة صّ الآية ٢٩، ويؤكد المجلس أن على المسلمين أن يعرفوا لكتاب ربهم منزلته، ويقدِّروه قدره، ويجعلوا مقاصده نصب أعينهم، ويتخذوا منه ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم مناراً يهتدون بهما. والمجلس إذ يذَّكر بهذا ليهيب بالمسلمين القيام بما يجب عليهم تجاه الآيات القرآنية من احترامها والمحافظة عليها من الامتهان والعبث ويقرر ما يلي: أولاً: جواز كتابة الآيات القرآنية وزخرفتها، واستخدامها لمقصد مشروع كأن تكون وسائل إيضاح لتعلم القرآن وتعليمه، وللقراءة والتذكير والاتعاظ، وفق الضوابط الآتية: (١) أن تعامل اللوحات المكتوب فيها القرآن من حيث الصناعة والنقل معاملة طباعة المصحف، وهذا يوجب اتخاذ الإجراءات التي تضمن احترام الآيات المكتوبة، وصيانتها عن الامتهان. (٢) عدم التهاون بألفاظ القرآن ومعانيه فلا تصرف عن مدلولها الشرعي، ولا تبتر عن سياقها. (٣) أن لا تصنع بمواد نجسة أو يحرم استعمالها. (٤) أن لا تدخل في باب العبث كتقطيع الحروف وإدخال بعض الكلمات في بعض، وأن لا يبالغ في زخرفتها بحيث تصعب قراءتها. (٥) أن لا تجعل على صورة ذوات الأرواح كما لو جعلت اللوحة القرآنية على شكل إنسان، أو على شكل طائر أو حيوان؛ ونحو ذلك من الأشكال التي لا يليق وضعها قالباً لآيات القرآن الكريم. (٦) أن لا تصنع للتعاويذ المبتدعة وسائر المعتقدات الباطلة، ولا للصناعات المبتذلة ولا لترويج البضائع وإغراء الناس بالشراء. ثانياً: لا حرج في بيعها وشرائها بالضوابط السابق ذكرها وفق الراجح من أقوال العلماء في بيع المصحف وشرائه. ثالثاً: لا يجوز استخدام آيات القرآن الكريم للتنبيه والانتظار في الهواتف الجوالة وما في حكمها؛ وذلك لما في هذا الاستعمال من تعريض القرآن للابتذال والامتهان بقطع التلاوة وإهمالها، ولأنه قد تتلى الآيات في مواطن لا تليق بها. وأما تسجيل القرآن الكريم في الهاتف للتلاوة منه أو الاستماع إليه فلا حرج فيه، بل هو عون على نشر القرآن واستماعه وتدبره، ويحصل الثواب بالاستماع إليه؛ ففيه تذكير وتعليم، وإذاعة له بين المسلمين. ويوصي المجمع الجهات المسئولة في الدولة الإسلامية بضرورة مراقبة صناعة اللوحات القرآنية بما يكفل عدم حدوث تجاوزات فيها، ومنع استيراد اللوحات القرآنية وما شابهها من الجهات والدول التي لا تحترم ما في اللوحات من آيات كريمة، والله أعلم] موقع المجمع على شبكة الإنترنت.

إذا تقرر هذا فلا بد أن نعرف أن [التبرك: معناه طلب البركة ورجاؤها واعتقادها ... والتبرك نوعان:١- تبرك مشروع: وهو ما توفرت فيه الشروط التالية: أ- ورود الدليل الشرعي على أن هذه الأعيان والأوصاف مباركة. لأن هذا أمرٌ توقيفي، متوقفٌ على ثبوت الدليل من الكتاب والسنة. ب- اعتقاد أن المبارِك هو الله تبارك وتعالى، وأن هذه الأعيان والأوصاف إنما هي أسبابٌ للبركة، فقد يتحقَّق المسبب عند وجود سببه، وقد يتخلف لحكمة يعلمها الله تعالى.٢- تبرك ممنوع، وفيه التبرك الموهوم الذي يتوهمه بعض الناس، وإن كان في الواقع لا حقيقة له، مثل اعتقاد البركة في بعض القبور والمغارات والأماكن أو الأشخاص -غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- أحياءً أو أمواتاً سواء ادَّعوا ذلك أو ادُّعي فيهم. والتبرك الممنوع ما افتقد الشرطين السابقين أو أحدهما.] بين التبرك المشروع والممنوع د. عبد الله الدميجي islamtoday.net.وبعد هذا البيان يظهر لنا أن تبرك العروس بحمل المصحف الشريف من التبرك الممنوع، لاشتماله على امتهان المصحف الشريف، لأن الحال الذي تكون عليه العروس والنساء في محل العرس يشتمل على منكراتٍ كثيرة، ولا شك أن هذا الفعل فيه تعريضٌ لكتاب الله عز وجل لما يخل بحرمته، ويتنافى مع تنزيهه من كل ما يخدش تعظيمه، ويضاف إلى ذلك أن هذا التبرك أمرٌ مبتدعٌ مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهدي سلف الأمة، والتبرك بالمصحف الشريف لا يكون بأن تحمله العروس وترقص به، بل يكون التبرك المشروع بالعمل بكتاب الله عز وجل وبقراءته على الوجه المشروع، ويكون التبرك أيضاَ بفهم كتاب الله جل جلاله. قال سبحانه وتعال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} سورة البقرة الآية ١٢١. وقال تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} سورة الكهف الآية ٢٧، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} سورة فاطر الآيتان ٢٩ -٣٠، وجاء في الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) رواه مسلم.

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز حمل العروس للمصحف الشريف أثناء ما يسمى "جلوة العروس" للتبرك به كما زعموا، لأن ذلك يتنافى مع تعظيم كلام رب العالمين، ومن أراد التبرك المشروع بكتاب الله عز وجل فعليه أن يلتزم به قولاً وعملاً وأن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، فحينئذ تحل عليه البركة ويصلح الله حاله ويحفظه من كل الشرور وييسر له أموره كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>