يقول السائل: ما قولكم في الدعاء المسمى دعاء سيدنا عكاشة حيث أنه مطبوع في كتيب صغير ويوزع؟
الجواب: قرأت الدعاء المشار إليه ومقدمته فوجدته من جملة الأدعية المبتدعة التي احتوت على مبالغات ومجازفات فارغة وفيه أنواع من الضلال والشرك. وأول ما يلفت النظر فيه أنه منسوب إلى الصحابي الجليل عكاشة وأن الذي جمعه هو منشئ ضريح الصحابي عكاشة كما جاء على صفحة الغلاف ومن المعلوم أن الصحابي الجليل عكاشة بن محصن الأسدي رضي الله عنه استشهد في حروب الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذلك في موقعة بزاخة وقاتله هو طليحة الأسدي. انظر سير أعلام النبلاء ١/٣٠٧-٣٠٨. وعكاشة بن محصن الأسدي رضي الله عنه هو الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بدخول الجنة بغير حساب كما هو ثابت في الصحيحين في حديث طويل:(أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه الأمم فرأى سواداً عظيماً فقيل له هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم فسرهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة) تهذيب الأسماء واللغات ١/٣٣٨. فعكاشة لم يمت في بيت المقدس حتى يكون له ضريح منسوب إليه ولا يعرف أحد غيره من الصحابة اسمه عكاشة مات في بيت المقدس فيما أعلم. والدعاء المنسوب إلى عكاشة جاء في مقدمته في ثواب من قرأه أمور لا يقبلها شرع ولا عقل فقد جاء فيها ما يلي:[أما بعد فهذادعاء كامل عظيم ومنافعه كثيرة حملا وتلاوة لا يعلم ثواب هذا الدعاء إلا الله تعالى ولو كانت الأشجار أقلاماً والبحار مداداً والأولون والآخرون كُتَّاباً لعجزوا أن يكتبوا ثواب هذا الدعاء ومن قرأه فكأنما قرأ الدعوات كلها ويغفر الله ذنوبه جميعاً وإذا قرأه مريض شفاه الله تعالى ومن قرأه لدفع الجوع والقحط دفع الله عنه ذلك وإذا قرأه عطشان روي وإذا قرأه مديون قضى الله دينه وحمله ينفع إن شاء الله تعالى من جميع الأمراض والأرياح والآلام والأسقام ونافع إن شاء الله تعالى للدخول على الملوك والوزراء وأرباب الأقلام للمحبة والقبول والسفر في الليل والنهار وكذا البحار ومنع السحر عن حامله في البر والبحر ونافع إن شاء الله من لدغة الحية والعقرب والثعبان ونافع من الضرب بالسيف والنشاب والخناجر بإذن الله تعالى ولدفع شر الشياطين وكيدهم ومن كتبه في إناء صيني بماء وزعفران سبعة أيام وشربه على الريق رزقه الله ذهناً بليغاً وفهماً واسعاً وإن شرب منها المريض شفي ومن قرأه في عمره مرة واحدة جعل الله له ثواباً مثل ثواب الأولياء والأصفياء والزهاد من الرجال والنساء وينال ما يطلب من أمر الدنيا وتقضى حوائجه بإذن الله تعالى ومن علَّقه في محل بيعه تروج بضاعته وتكثر أرباحه ويحفظ المحل الذي هو فيه من الحرق والسرق وإذا وضع في سفينة نجت من الغرق إن شاء الله تعالى وحامله يفتح له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب وتكون مقاصده ناجحة وإذا وضع في مزرعة بمحل طاهر بارك الله في محصولها وزاد نموها وحفظت من العاهات والآفات كما جرب ذلك مراراً ومع ذلك فإن فوائده لا تحصى ومنافعه لا تستقصى ومن عظيم فوائده أنه ينفع لكل شيء وإنما يلزم ذلك كله أن يستعمل بكل احترام واعتقاد ونية خالصة ولا يستعمل إلا فيما يرضي الله تعالى والله أعلم] . وهذا الثواب المزعوم المرتب على هذا الدعاء لم يرد مثله في الشرع حتى للقرآن الكريم ولا للأدعية النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا دجل وكذب وافتراء على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. كما أن هذا الدعاء فيه من الأمور الباطلة كقوله:[بحق عزرائيل وقبضته] فمن المعلوم أنه لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة تسمية ملك الموت بعزرائيل وإنما هذا من الإسرائيليات. وكذلك قوله:[وبحق نوح وسفينته] ولا أدري ما هو حق سفينة نوح؟ وقوله: [وبحق يوسف وغربته ... وبحق صالح وناقته ودانيال وكرامته ... إلخ ما ورد فيه من الترهات والخرافات. فهذا الدعاء وأمثاله من الأدعية المبتدعة التي ألزم دعاة التصوف أنفسهم ومريديهم بها ليست مشروعة وقد صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس من أمرنا فهو رد) وهذا الدعاء وأمثاله ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ الإمام أبو بكر بن العربي في معرض رده على الذين يخترعون أدعية من عند أنفسهم ويأمرون الناس أن يدعوا بها الله عند تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . قال رحمه الله:[ويقال ألحد ولحد إذا مال والإلحاد يكون بوجهين بالزيادة فيها أو النقصان منها كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الباري بغير أسمائه ويذكرونه بما لم يذكره من أفعاله إلى غير ذلك مما لا يليق به فحذار منها ولا يدعونَّ أحدٌ منكم إلا بما في الكتب الخمسة وهي كتاب البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي فهذه الكتب هي بدء الإسلام وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف وذروا سواها ولا يقولنَّ أحدٌ أختار دعاء كذا فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك الخلق رسوله] . أحكام القرآن ٢/٨١٦. ويقول الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى:(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ، قال:[فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ولا يقولنَّ أختار كذا فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون] تفسير القرطبي ٤/٢٣١.. ويقول القرطبي أيضاً عند تفسير قوله تعالى:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) . بعد أن ذكر وجوهاً من الاعتداء في الدعاء قال: [ومنها أن يدعو الله بما ليس في الكتاب العزيز ولا في السنة فيتخير ألفاظاً مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لهؤلاء (يعني المشايخ) لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسوله صلى الله عليه وسلم وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء] تفسير القرطبي ٧/٢٢٦. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية منكراً على الذين يبتدعون أشياء من عند أنفسهم ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى:[وما علم باتفاق الأمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة لم يجز أن يعتقد أو يقال إنه قربة أو طاعة فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله ولا التعبد به ولا اتخاذه ديناً فلا يجوز جعله من الدين لا باعتقاد وقول ولا بإرادة وعمل وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء والعباد يرون الشيء إذا لم يكن محرماً لا ينهى عنه بل يقال إنه جائز ولا يفرق بين اتخاذه ديناً وطاعة وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة ومعلوم أن اتخاذه ديناً بالاعتقاد أو بالقول أو بالعمل من أعظم المحرمات وأكبر السيئات وهذا من البدع المنكرات التي هي أعظم المعاصي التي يعلم أنها معاصٍ وسيئات] مجموعة الرسائل والمسائل ١/١٣٨ نقلاً عن مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية ٣/١١٨٣-١١٨٥. وخلاصة الأمر أن هذا الدعاء المسمى دعاء عكاشة دعاء مبتدع لا يجوز لأحد أن يأتي به ولا يعتقد صحته ومن أراد الدعاء فعليه بالأدعية القرآنية والأدعية النبوية ففيها الكفاية.