للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩ - الآيات القرآنية ونغمات الجوال]

يقول السائل: ما حكم جعل الأذان والآيات القرآنية بدلاً من النغمات والرنات الموسيقية في أجهزة الجوال (الهاتف المحمول) أفيدونا

الجواب: لا يجوز شرعاً أن تجعل آيات القرآن الكريم ولا ألفاظ الأذان بدل رنات الجوال (الهاتف المحمول) وهذا الحكم في هذه المسألة المستجدة مخرج على القواعد الشرعية الثابتة بالنصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأول هذه القواعد الشرعية هي وجوب تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية ٣٢. ويقول تعالى {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} سورة الحج الآية ٣٠.

قال الإمام القرطبي [ {ومن يعظم شعائر الله} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم.... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي ١٢/٥٦.

ولا شك أن آيات القرآن الكريم والأذان من أعظم شعائر الله فيجب صيانتها أن تكون بدل رنة الجوال بل إن في ذلك امتهاناً لكلام رب العالمين وخاصة أن صاحب الجوال لا يتحكم في زمان ومكان تلقي المكالمة الهاتفية فيمكن أن يتلقى المكالمة وهو في المرحاض فلا يقبل شرعاً أن ينطلق الأذان من المراحيض والحمامات ولا يقبل شرعاً أن تتلى آية من كتاب الله في المراحيض والحمامات وكلام الله أجل وأعز من أن يتلى في تلكم الأماكن. عن أنس رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) رواه الترمذي وحسنه وصححه المنذري وغيره كما في التلخيص الحبير ١/١٠٨. والسبب في نزع النبي صلى الله عليه وسلم لخاتمه عند دخوله الخلاء أنه كان من ضمن نقش خاتمه لفظ الجلالة (الله) كما ورد في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً أو أراد أن يكتب فقيل له إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ خاتماً من فضة نقشه محمد رسول الله) رواه البخاري ومسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم نزع خاتمه عند دخوله الخلاء من باب تعظيم لفظ الجلالة (الله) . وأيضاً لو كان الهاتف المحمول في جيب خلفي لحامله وهو جالس عليه فتلقى مكالمة فماذا يحدث؟ سيخرج الأذان وترتل آيات القرآن الكريم من تحت مؤخرته!! وهذا لا يقبل في دين الله.

ومن هذه القواعد أن كلام الله عز وجل مقدس ومحترم وينبغي التأدب عند سماعه كما قال تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة الأعراف الآية ٢٠٤. قال العز بن عبد السلام: [الاستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الآداب المشروعة المحثوث عليها] فتاوى العز بن عبد السلام ص٤٨٥ - ٤٨٦. وقال جلال الدين السيوطي: [يسن الاستماع لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث بحضور القراءة، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ] الإتقان ١/١٤٥. فالاستماع والإنصات لقراءة القرآن مندوب إليه وهذا ما لا يحصل عندما يرن الجوال وخاصة إذا رن الجوال في مكان ليس من أماكن الاستماع للقرآن الكريم كالمراحيض والحمامات والأسواق ومحال ازدحام الناس. ويضاف إلى ذلك أن صاحب الجوال يبادر إلى الرد على المكالمة الهاتفية فيقطع سماع الآية القرآنية ليسمع كلام المخلوق ويعرض عن سماع كلام الخالق. وهذا لا يليق بالمسلم أن يفعله قال الله تعالى: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) سورة البقرة الآية ٦١. ومن هذه القواعد أن الأذان عبادة مؤقتة بأوقات معلومة وهو إعلام بدخول وقت الصلاة فلا يجوز لأحد أن يؤذن إلا في الأوقات المعروفة فعن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما) رواه البخاري ومسلم. وكذا يجوز الأذان فيما ورد فيه الإذن الشرعي باستعمال ألفاظ الأذان مثل الأذان في أذن المولود فعن أبي رافع رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، كما أنه إذا استعمل الأذان في رنات الجوال فإنه سيؤدي إلى البلبلة والتشويش على الناس في الأوقات المقدرة شرعاً للصلوات والصيام ونحو ذلك. فلذلك كله وسداً لأبواب انتهاك شعائر الله لا يجوز جعل الأذان وآيات القرآن الكريم بدلاً من رنات الهاتف ويمكن أن يستعاض عن ذلك برنات عادية ليست موسيقية أوغير ذلك مما ليس فيه مخالفة شرعية. وبهذه المناسبة أود التنبيه على الأمرين التاليين المتعلقين باستعمال الهاتف المحمول:

الأول: إن حكم استعمال الهاتف المحمول يكون بحسب كيفية استعماله فإذا استعمل في المباح فهو مباح وإذا استعمل في الحرام فهو حرام فاستعمال الهاتف المحمول المزود بكاميرا في التقاط صور النساء والاحتفاظ بها ونشرها من المحرمات وهذا نوع من التلصص والتجسس المحرم شرعاً وفيه انتهاك لحرمات الناس كما أن فيه شيوع الفواحش بين الناس قال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً} سورة الحجرات الآية ١٢. وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النور الآية ١٩. وهذا الأمر فيه انتهاك لخصوصيات الناس وتتبع لعوراتهم وفضح لها ومن فضح الناس فضحه الله كما ورد في الحديث عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود وقال العلامة الألباني حديث حسن صحيح كما في صحيح سنن أبي داود ٣/٩٢٣. ويحرم تصوير النساء بكاميرات الهاتف النقال أيضاً لأن فيه إيذاءً لعباد الله قال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} سورة الأحزاب الآية ٥٨.

الثاني: إن الهواتف النقالة صارت من أسباب الإزعاج في المساجد والمدارس والجامعات وخاصة أثناء الصلوات وفي قاعات الدروس فينبغي إغلاقها في هذه الأماكن وبالذات أثناء الصلوات فرنين الهواتف النقالة يقطع خشوع المصلين ويشوش عليهم فينبغي على من يحمل الهاتف النقال أن يوقفه عن العمل عند دخوله المسجد سواء أكان ذلك في صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات. لأن احتمال أن يتصل به أحد قائم وفي الرنين الصادر من الهاتف إزعاج وتشويش على المصلين والمساجد لها حرمتها ولا ينبغي لأحد أن يشوش على من في المسجد سواء كانوا في صلاة أو ذكر أو قراءة قرآن أو سماع درس علم بأي نوع من أنواع التشويش والإزعاج. فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه الشيخ الألباني. فإذا نسيه مفتوحاً فرن أثناء الصلاة فيجوز أن يوقفه عن العمل أثناء الصلاة وإن اقتضى ذلك أن يتحرك المصلي في صلاته فإن هذه الحركة مباحة على أقل تقدير إن لم تكن مستحبة نظراً للحاجة حيث إنه يترتب عليها منع ما يشوش على المصلين وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمَّ الناس في المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا سجد وضعها) رواه البخاري ومسلم. كما وأنه يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. رواه أصحاب السن وقال الإمام الترمذي حديث حسن. فيؤخذ من هذين الحديثين أن الحركة في الصلاة إن كانت لحاجة جائزةٌ ولا تبطل الصلاة أقول هذا مع التأكيد على إغلاق الهاتف عند الدخول إلى المسجد فإن نسيه مفتوحاً ورنَّ أثناء الصلاة فليغلقه ولا شيء عليه. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز جعل الأذان ولا الآيات القرآنية بدلاً عن نغمات الهاتف النقال سداً للذرائع المفضية إلى المحظورات.

<<  <  ج: ص:  >  >>