يقول السائل: دهست امرأة شخصاً عن طريق الخطأ فمات وألزمت المرأة بالدية فهل زوج المرأة ملزم بتحمل الدية، أفيدونا؟
الجواب: اتفق أهل العلم على أن موجب القتل الخطأ أمران: أولهما الدية والثاني الكفارة ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} سورة النساء الآية ٩٢. والدية الشرعية تقدر بألف دينار ذهبي وتساوي في أيامنا هذه أربعة آلاف ومئتان وخمسون غراماً من الذهب عيار ٢٤ قيراطاً، وأما الكفارة فهي صيام شهرين متتابعين نظراً لفقدان الرقاب في أيامنا هذه، حيث إن كفارة القتل على الترتيب وليست على التخيير.
واتفق العلماء على أن الدية في القتل الخطأ تكون على عاقلة القاتل، وأصل ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري، وفي رواية عند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع) . والعاقلة هم العصبة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [العاقلة: من يحمل العقل. والعقل: الدية، تسمى عقلاً؛ لأنها تعقل لسان ولي المقتول. وقيل: إنما سميت العاقلة، لأنهم يمنعون عن القاتل ... ولا خلاف بين أهل العل في أن العاقلة العصبات، وأن غيرهم من الإخوة من الأم، وسائر ذوي الأرحام، والزوج، وكل من عدا العصبات، ليس هم من العاقلة] المغني ٨/٣٩٠.
ويدخل في العاقلة أب القاتل وجده لأبيه وأبناؤه، وإخوته وأبناؤهم، وعمومته وأبناؤهم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، انظر المغني ٨/٣٩٠- ٣٩١. وبما أن المرأة المذكورة في السؤال قد قتلت المدهوس خطأً، فالدية على عاقلتها، وقد ورد في إحدى روايات حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق قال (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى لها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها) رواه البخاري. ولا يدخل في العصبة زوج المرأة ولا ابنها إلا إذا كانا من عصبتها كالمرأة المتزوجة من ابن عمها فزوجها وأولادها حينئذ من عصبتها، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ ... قال ابن بطال: يريد أن ولد المرأة إذا لم يكن من عصبتها لا يعقل عنها لأن العقل على العصبة دون ذوي الأرحام ولذلك لا يعقل الإخوة من الأم، قال: ومقتضى الخبر أن من يرثها لا يعقل عنها إذا لم يكن من عصبتها، وهو متفق عليه بين العلماء كما قاله ابن المنذر] فتح الباري ١٢/٣١٥. [وتقسم الدية على الأقرب فالأقرب، فتقسم على الإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم، ثم أعمام الأب وبنيهم، ثم أعمام الجد وبنيهم] الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٩/٢٢٢.
ويجب أن يعلم أن دية القتل الخطأ تؤدى مقسطة على ثلاث سنوات، قال الإمام الترمذي [وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين في كل سنة ثلث] ، قال المباركفوري في شرحه: [قوله: (وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلات سنين) روى ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال: أول من فرض العطاء عمر وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين، ثلثا الدية في سنتين، والنصف في سنتين، والثلث في سنة، وما دون ذلك في عامه. وأخرجه عبد الرزاق من طريق عن عمر كذا في الدراية. ولفظ عبد الرزاق في طريق أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة. ولفظه في طريق أخرى: إن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلات سنين، والنصف والثلثين في سنتين، والثلث في سنة، وما دون الثلث فهو في عامه، ولفظه في رواية أخرى وقضى بالدية في ثلاث سنين وفي كل سنة ثلث على أهل الديوان في أعطياتهم. وقضى بالثلثين في سنتين، وثلاث في سنة وما كان أقل من الثلث فهو في عامه ذلك.] تحفة الأحوذي ٨/٥٣٦. وذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي أنه لا خلاف بين العلماء في أن الدية مؤجلة في ثلاث سنين. فإن عمر وعلياً رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، ولا يعرف لهما في الصحابة مخالف. انظر المغني ٨/٣٧٥.
ولا بد من التنبيه إلى أنه إذا أخذت الدية من شركات التأمين فلا يجوز أخذها من العاقلة. وقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي موضوع العاقلة وتطبيقاتها المعاصرة في تحمل الدية وذلك في دورته السادسة عشرة بدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر صفر ١٤٢٦هـ الموافق نيسان٢٠٠٥م، وبعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت، قرر ما يأتي: أولاً: تعريف العاقلة: هي الجهة التي تتحمل دفع الدية عن الجاني في غير القتل العمد دون أن يكون لها حق الرجوع على الجاني بما أدته. وهي العصبة في أصل تشريعها، وأهل ديوانه الذين بينهم النصرة والتضامن. ثانياً: ما لا تتحمله العاقلة: العاقلة لا تتحمل ما وجب من الديات عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً. ثالثاً: التطبيقات المعاصرة: عند عدم وجود العشيرة أو العصبة التي تتحمل الدية، فإنه يجوز أن ينوب عنها عند الحاجة، بناءً على أن الأساس للعاقلة هو التناصر والتضامن، ما يلي:(أ) التأمين الإسلامي (التعاوني أو التكافلي) الذي ينص نظامه على تحمل الديات بين المستأمنين. (ب) النقابات والاتحادات التي تقام بين أصحاب المهنة الواحدة، وذلك إذا تضمن نظامها الأساسي تحقيق التعاون في تحمل المغارم. (ج) الصناديق الخاصة التي يكونها العاملون بالجهات الحكومية والعامة والخاصة لتحقيق التكافل والتعاون بينهم. رابعاً: التوصيات: • يوصي مجمع الفقه الإسلامي مختلف الحكومات والدول الإسلامية بأن تضع في تشريعاتها نصوصاً تضمن عدم ضياع الديات، لأنه لا يُطَلَّ (لا يُهدر) دم في الإسلام. • على الجهات ذات العلاقة العمل على إشاعة روح التعاون والتكافل في مختلف أفراد الجماعة والتجمعات التي تربط بيني أعضائها رابطة اجتماعية. ويتحقق ذلك بالآتي: - (أ) تضمين اللوائح والتنظيمات المختلفة مبدأ تحمل الديات. (ب) قيام شركات التأمين الإسلامية في مختلف دول العالم الإسلامي بعمل وثائق تشمل تغطية الحوادث ودفع الديات بشروط ميسرة وأقساط مناسبة. (ج) مبادرة الدول الإسلامية إلى تضمين بيت المال (الخزانة العامة) مهمة تغطية الديات عند فقد العاقلة، وذلك لتحقيق الأغراض الاجتماعية التي تناط ببيت المال – ومنها تحمل الديات – بالإضافة إلى دوره الاقتصادي. (د) دعوة الأقليات الإسلامية في مختلف مناطق العالم إلى إقامة تنظيمات تحقق التعاون والتكافل الاجتماعي فيما بينهم، والنص صراحة على تغطية تعويضات حوادث القتل وفقاً للنظام الشرعي. (هـ) توجيه رسائل إلى الحكومات والهيئات والجمعيات والمؤسسات الاجتماعية لتفعيل أعمال البر والإحسان، ومنها الزكاة والوقف والوصايا والتبرعات كي تسهم في تحمل الديات الناتجة عن القتل الخطأ.] وخلاصة الأمر أن على المرأة المذكورة في السؤال صيام شهرين متتابعين وذلك كفارة القتل الخطأ الذي وقع منها، وتلزم الدية عاقلتها وهم عصبتها كما وضحت سابقاً.