[٢٥ - حق الزوجة بمسكن مستقل]
تقول السائلة: إن والد زوجها قد توفي ويريد زوجها أن يسكن أمه وأخاه غير المتزوج معها في نفس الشقة التي تسكنها هي وأولادها مع أن الشقة ليست كبيرة، فهل هي ملزمة بقبول ذلك، أفيدونا؟
الجواب: قرر الشرع أن من حقوق الزوجة على زوجها حق المسكن قال الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) سورة الطلاق الآية ٦.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع، ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما لقول الله تعالى: {من وجدكم} ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة] المغني ٨/٢٠٠.
وقد نص الفقهاء على شروط بيت الزوجية ومن أهمها أن يكون خاصاً بالزوجة لا يشاركها فيه أحد بدون رضاها وقرروا أنه لا يجوز للزوج أن يسكن أحداً من أقاربه مع زوجته بدون رضاها ولو كان أباه أو أمه أو أخاه أو زوجته الأخرى
قال الكاساني الحنفي [وكل امرأة لها النفقة، لها السكنى لقوله عز وجل {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} ... ولأنهما استويا في سبب الوجوب وشرطه وهو ما ذكرنا فيستويان في الوجوب ويستوي في وجوبهما أصل الوجوب الموسر والمعسر؛ لأن دلائل الوجوب لا توجب الفصل وإنما يختلفان في مقدار الواجب منهما ... ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك؛ عليه أن يسكنها في منزل مفرد؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة وإباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث حتى لو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا: إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر] بدائع الصنائع ٣/٤٢٨-٤٢٩.
وقال ابن نجيم الحنفي [ (قوله والسكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها) معطوف على النفقة أي تجب السكنى في بيت أي الإسكان للزوجة على زوجها؛ لأن السكنى من كفايتها فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبها الله تعالى كما أوجب النفقة بقوله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} أي من طاقتكم أي مما تطيقونه ملكاً أو إجارةً أو عاريةً إجماعاً، وإذا وجبت حقاً لها ليس له أن يشرك غيرها فيه؛ لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار] البحر الرائق شرح كنز الدقائق، عن شبكة الإنترنت.
وقال الشيخ الحطاب المالكي [قال ابن فرحون إن من حقها أن لا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع أولاده في دار واحدة فإن أفرد لها بيتاً في الدار ورضيت فذلك جائز وإلا قضي عليه بمسكن يصلح لها] مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل، عن شبكة الإنترنت.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي [ويحرم أن يجمع ... بين ضرتين فأكثر في مسكن أي بيت واحد لما بينهما من التباغض إلا برضاهما فيجوز الجمع بينهما؛ لأن الحق لهما، ولو رجعا بعد الرضا كان لهما ذلك.] مغني المحتاج عن شبكة الإنترنت.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة , وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما , فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف واحد، وإن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى , لم يجز لأن فيه دناءًة وسخفاً وسقوط مروءة فلم يبح برضاهما وإن أسكنهما في دار واحدة كل واحدة في بيت , جاز إذا كان ذلك مسكن مثلها.] المغني ٧/٣٠٠.
وقد نص قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا على الأمور المتعلقة بمسكن الزوجية فقد جاء في المادة ٣٦ [يهيئ الزوج المسكن المحتوي على اللوازم الشرعية حسب حاله وفي محل إقامته وعمله.]
وجاء في المادة ٣٨ [ليس للزوج أن يسكن أهله وأقاربه أو ولده المميز معه بدون رضاء زوجته في المسكن الذي هيأه لها ويستثنى من ذلك أبواه الفقيران العاجزان إذا لم يمكنه الإنفاق عليهما استقلالاً وتعين وجودهما عنده دون أن يحول ذلك من المعاشرة الزوجية كما انه ليس للزوجة أن تسكن معها أولادها من غيره أو أقاربه بدون رضاء زوجها]
كما منع القانون إسكان الضرائر في مسكن واحد إلا برضاهن كما نصت عليه المادة ٤٠ [على من له أكثر من زوجة أن يعدل ويساوي بينهن في المعاملة وليس له إسكانهن في دار واحدة إلا برضاهن.]
وينبغي على الآباء والأمهات أن يحرصوا على أن يسكن أبناؤهم المتزوجون في مساكن خاصة بهم لأن في ذلك مصالح مشتركة بينهم وبين أبنائهم وزوجات أبنائهم، حيث إن سكن الابن وزوجته في مسكن منفرد ومستقل فيه منافع كبيرة للجميع وفيه بعد عن أسباب الشحناء والبغضاء والمشكلات التي تنتج عن احتكاك الزوجة مع أهل زوجها. وهذه أمور منهي عنها والشارع الحكيم إذا نهى عن أمر من الأمور فإن ذلك يعتبر نهياً عن الوسائل المؤدية إليه، وقد قرر العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام ١/٤٦. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين [وقد قال أهل العلم للوسائل أحكام المقاصد فما كان وسيلةٌ لمطلوبٍ فهو مطلوب وما كان وسيلةً لمنهيٍ منه فهو منهيٌ عنه] عن شبكة الإنترنت.
وكذلك فإن سكن الابن وزوجته في مسكن منفرد يوفر حرية مطلقة للزوجين في بيتهما مما يشكل عاملاً مهماً في استقرار الحياة الزوجية وفي توفير السعادة الزوجية لهما.
وأخيراً لا بد من التنبيه على أن المسكن الخاص بالزوجين فيه بعد عن الحرمات كالاختلاط بين الزوجة وأخي زوجها فهذا أمر محرم وخاصة أن الزوج قد يغيب عن البيت. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال من الدخول على النساء وخاصة أخو الزوج فقد صح في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) قال الليث بن سعد: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج: ابن العم ونحوه. اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن العم ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم. وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي ... وقال ابن الأعرابي: هي كلمة تقولها العرب كما يقال: الأسد الموت. أي لقاؤه مثل الموت، وقال القاضي: معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد غليظ] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٣٢٩.
وخلاصة الأمر أن للزوجة الحق في مسكن خاص بها لا يشاركها فيه أحد من أقارب الزوج ولا تشاركها أيضاً ضرتها إلا برضاها وهذا الحق ثابت للزوجة ولو لم تشترطه في العقد، ويحرم على الزوج أن يسكن أحداً من أقاربه مع زوجته بدون رضاها، وتشتد الحرمة فيما لو أسكن معها أخاه البالغ كما ورد في السؤال لما يترتب على ذلك من المفاسد.