للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٢٦ - صلاة الجماعة]

متى يقوم المسبوق لإتمام صلاته,

يقول السائل: هل يقوم المسبوق في الصلاة لإتمام صلاته بعد تسليم إمامه التسليمتين أم بعد التسليمة الأولى، وما حكم صلاة المسبوق إذا قام بعد التسليمة الأولى ولم ينتظر التسليمة الثانية؟

الجواب: اتفق أكثر أهل العلم على أن التسليم فريضة من فرائض الصلاة وقد ثبتت الأحاديث بذلك ومنها عن علي ? أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وصححه الترمذي والنووي وابن حجر والألباني، انظر إرواء الغليل ٢/٩. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم الصلاة بالتسليم) رواه مسلم. وعن سعد بن أبي وقاص ? قال: (كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده) رواه مسلم. وبعد اتفاق جمهور أهل العلم على أن التسليم فرض اختلفوا هل المطلوب تسليمة واحدة أو تسليمتان؟ فذهب جمهور العلماء إلى أن التسليمة الأولى واجبة والثانية سنة، قال ابن المنذر: [أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة) المجموع ٣٢/٤٨٢. وقال الإمام النووي: [وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة] شرح النووي على صحيح مسلم ٢/٢٣٦. وقال الداودي: [وأجمع العلماء على أن من سلم واحدة فقد تمت صلاته] المفهم ٢/٢٠٤. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة] المغني ١/٣٩٦. ثم استدل الشيخ ابن قدامة لما قرره بقوله: [والصحيح: ما ذكرناه.

وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين، إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه، ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره، وقد دل عليه قوله في رواية مهنا: أعجب إليَّ التسليمتان، ولأن عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة) وكان المهاجرون يسلّمون تسليمة واحدة، ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين والواجب واحدة. وقد دل على صحة هذا: الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يُحملُ على المشروعية والسنة فإن أكثر أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة مسنونة غير واجبة فلا يمتنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها والله أعلم. ولأن التسليمة الواحدة يخرج بها من الصلاة فلم يجب عليه شيء آخر فيها] المغني ١/٣٩٦-٣٩٧. إذا تقرر هذا فنعود إلى السؤال حيث إن صلاة المسبوق مرتبطة بصلاة الإمام في المتابعة فأقول: الأكمل في حق المسبوق أن لا يقوم إلى قضاء ما فاته من الصلاة إلا بعد أن يفرغ إمامه من التسليمتين لأن الإمام جعل ليؤتم به كما هو ثابت في الحديث والمسبوق يأتي بما فاته بعد انتهاء الإمام من الصلاة. فقد جاء في الحديث عن المغيرة بن شعبة ? قال: (تخلفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فتبرز، وذكر وضوءه ثم عمد الناس وعبد الرحمن يصلي بهم فصلى مع الناس الركعة الأخيرة فلما سلّم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فلما قضاها أقبل عليهم فقال: قد أحسنتم وأصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها) متفق عليه. فيؤخذ من هذا الحديث أن المسبوق يقوم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه والظاهر من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام لقضاء الركعة الفائتة بعد أن سلم الإمام التسليمتين وهذا مستحب. قال الحافظ ابن عبد البر: [ولم يختلف قول مالك أن المسبوق لا يقوم إلى القضاء حتى يفرغ الإمام من التسليمتين إذا كان ممن يسلم التسليمتين] الاستذكار ٤/٢٩٠. وأما إذا قام المسبوق لقضاء ما فاته من صلاته بعد فراغ إمامه من التسليمة الأولى ولم ينتظر التسليمة الثانية فصلاته صحيحة ولا شيء عليه لأن صلاة الإمام ينقضي الواجب فيها بالتسليمة الأولى والتسليمة الثانية سنة.

نقل الحافظ ابن عبد البر عن الليث بن سعد فقيه مصر أنه قال في المسبوق ببعض الصلاة: [لا أرى بأساً أن يقوم بعد التسليمة الأولى] الاستذكار ٤/٢٩١. وقال الإمام النووي: [اتفق أصحابنا على أنه يستحب للمسبوق أن لا يقوم ليأتي بما بقي عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين وممن صرح به البغوي والمتولي وآخرون ونص عليه الشافعي رحمه الله في مختصر البويطي فقال ومن سبقه الإمام بشيء من الصلاة فلا يقوم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين. قال أصحابنا فإن قام بعد فراغه من قوله السلام عليكم في الأولى جاز لأنه خرج من الصلاة] المجموع ٣/٤٨٣. وقال الإمام النووي أيضاً: [إذا سلم الإمام التسليمة الأولى انقضت قدوة المأموم الموافق والمسبوق لخروجه من الصلاة] المجموع ٣/٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>