يقول السائل: سمعت واعظاً يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم (سؤر المؤمن شفاء) ، فهل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا.
الجواب: إن التثبت من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس أمر واجب، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يعرفون التمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم فيسهم الوعاظ والخطباء والمدرسون وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وبناءً على ما تقدم، فإني أنصح كل من يذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتثبت من ذلك الحديث، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس. فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . قال الحافظ ابن حبان:" فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وإسناده حسن كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط، الإحسان ١/٢١٠، ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً.... الخ) . وأما ما يتداوله الناس من قول منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو (سؤر المؤمن شفاء) فليس بحديث، قال العلامة القاري:[ليس له أصل مرفوع] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص ١٠٦، وقال الحافظ العراقي: هكذا اشتهر على الألسنة ولا أصل له بهذا اللفظ. ونقل العجلوني عن نجم الدين الغزي أنه ليس بحديث، كشف الخفاء ص ٤٥٨. وقال العلامة الألباني عن الحديث السابق:[لا أصل له] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١/ ١٠٥. وانظر أيضاً المقاصد الحسنة للسخاوي ص ٢٣١. ومثل ذلك حديث (ريق المؤمن شفاء) فهو حديث لا أصل له كما نص على ذلك كثير من المحدثين انظر كشف الخفاء ص ٤٣٦، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص ١٠٦ وغيرهما. ومثل ذلك حديث (من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه، ومن شرب من سؤر أخيه رفعت له سبعون درجة، ومحيت عنه سبعون خطيئة وكتبت له سبعون حسنة) فهو حديث موضوع أورده ابن الجوزي في الموضوعات كما قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١/ ١٠٦.
ومما يجدر ذكره أن المراد بالسؤر لغة بقية الشيء، ويجمع على أسآر والسؤر في الاصطلاح هو: فضلة الشرب وبقية الماء التي يبقيها الشارب إنسانا كان أو حيواناً أو طائراً في الإناء أو في الحوض، ثم استعير لبقية الطعام أو غيره. قال النووي: ومراد الفقهاء بقولهم: سؤر الحيوان طاهر أو نجس: لعابه ورطوبة فمه. الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٤/١٠٠. وسؤر الانسان طاهر سواء كان مسلماً أو كافراً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند ذكره لأقسام الآسار [القسم الثاني طاهر في نفسه وسؤره وعرقه , وهو ثلاثة أضرب: الأول الآدمي فهو طاهر , وسؤره طاهر سواء كان مسلماً أم كافراً عند عامة أهل العلم] المغني ١/٣٧.
وخلاصة الأمر أن الحديث المذكور ليس بثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تجوز نسبته إليه.