للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٤٨ - شهر رجب]

يقول السائل: وزعت في بعض المساجد نشرة تضمنت فضائل شهر رجب وقد ذكرت فيها مجموعة من الأحاديث نرجو بيان الحكم عليها؟

الجواب: ورد في النشرة المذكورة في السؤال ما يلي: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (رجب شهر الله. وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) رجب خص بالمغفرة من الله تعالى وشعبان بالشفاعة ورمضان بتضعيف الحسنات. وقد قيل رجب شهر التوبة وشعبان شهر المحبة ورمضان شهر القربة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من الاستغفار في رجب فإن لله تعالى في كل ساعة منه عتقاء من النار وأن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب ويسن الصيام في أوله وأوسطه وآخره ويوم الاثنين والخميس في ليلة السابع من رجب ليلة فضيلة تسمى ليلة الرغائب - ليلة نزول نطفة النبي صلى الله عليه وسلم من والده عبد الله إلى رحم أمه آمنة - وصيام نهارها فضيل حيث يعطي الله عز وجل لعبده الصائم ذلك اليوم ما يتمنى على الله عز وجل ويرغب. عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وذلك لأنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السموات والأرضين إلا ويجتمعون في الكعبة وحولها فيطلع الله تعالى عليهم فيقول يا ملائكتي سلوني إذا شئتم فيقولون ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول الله قد فعلت. وفي أواخره ليلة عظيمة وهي ليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين منه وقيام ليلها فضيل وصيام نهارها مستحب لكل مسلم ومسلمة. عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهراً] . وأقول إن كثيراً من الناس مولعون بنشر الأحاديث المختلقة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرضون عن الأحاديث الصحيحة الثابتة والتي فيها غنى عن تلك. ومن ذلك ما ورد في النشرة فالحديث الأول وهو: (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) حديث موضوع كما قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص١٠٠. وقال الحافظ العراقي: [حديث ضعيف جداً هو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث] فيض القدير ٤/٢٤ وقد عدَّه ابن الجوزي من الموضوعات أيضاً. وأما الحديث الثاني وهو: (أكثروا من الاستغفار في رجب فإن لله تعالى في كل ساعة منه عتقاء من النار وأن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب) فهو حديث مكذوب أيضاً ذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة وابن طاهر المقدسي في تذكرة الموضوعات وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة ص٤٣٩. وأما ما جاء في النشرة أنه يسن الصيام في أوله وأوسطه وآخره ويوم الإثنين والخميس فهذا الكلام ليس بصحيح لأنه لم يثبت في فضل صيام رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف ص٢٢٨. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [فاتخاذه - أي شهر رجب - موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره كما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهما من الصحابة] اقتضاء الصراط المستقيم ٢/١٣٥. وقال الحافظ ابن حجر: [لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة] رسالة تبين العجب ص٣. وقال السيوطي: [ويكره إفراد رجب بالصوم] الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص١٧٤. وقال الإمام المحدث ابن دحية: [قال المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ: كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجباً وينهى عن ذلك ويقول: ما صح في فضل رجب وفي صيامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء وقد روي كراهة صومه عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم الصهر الأكرم والصاحب في الغار والرفيق الإمام أبو بكر الصديق خليفته على الأمة كلها بعد وفاته والقاتل لأهل الردة بجيوشه المنصورة وعزماته. وكان أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب الذي أجرى الله الحق على لسانه ووافقه في آيات محكمات تتلى علينا من قرآنه يضرب بالدرة صوامه وينهى عن ذلك قوامه روى ذلك الفاكهي في كتاب (مكة) له وأسنده الإمام المجمع على عدالته المتفق في (الصحيحن) على إخراج حديثه وروايته أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن وبرة عن خرشة بن الحر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوا عن طعامه حتى يضعوا فيه ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه] أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ص٥٥-٥٧. وأما الإدعاء الكاذب المذكور في النشرة وهو: [أن ليلة السابع من رجب ليلة فضيلة تسمى ليلة الرغائب ليلة نزول نطفة النبي صلى الله عليه وسلم من والده عبد الله إلى رحم أمه آمنة] فهذا من أكذب الكذب والزور والبهتان حيث لا دليل على ذلك من الشرع. وأما حديث: [لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وذلك لأنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السموات والأرضين إلا ويجتمعون في الكعبة وحولها فيطلع الله تعالى عليهم فيقول يا ملائكتي سلوني إذا شئتم فيقولون ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول الله قد فعلت] فهذا الحديث مكذوب موضوع باتفاق المحدثين كما قال العلامة عبد الحي اللكنوي في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص٦٣ حيث ذكر كلام الحافظ العراقي أن هذا الحديث موضوع وكذلك كلام ابن الجوزي أنه مكذوب ص٦٤. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء. وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري وأبو بكر بن السمعاني وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم. وإنما لم يذكرها المتقدمون لأنها أحدثت بعدهم وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها] لطائف المعارف ص٢٢٨. وقال العلامة ابن القيم: [وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمثلها: ما رواه عبد الرحمن بن منده - وهو صدوق - عن ابن جهضم - وهو واضع الحديث - حدثنا علي ... عن أنس - يرفعه - (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) الحديث. وفيه: (لا تغفلوا عن أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الغائب) وذكر الحديث المكذوب بطوله. قال ابن الجوزي: اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب وسمعت عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم! قال بعض الحفاظ: بل لعلهم لم يخلقوا. وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه: فهو كذب مفترى كحديث (من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة ... جاز على السراط بلا حساب) . وحديث (من صام يوماً من رجب وصلى أربع ركعات يقرأ في أول ركعة مئة مرة (آية الكرسي) وفي الثانية مئة مرة (قل هو الله أحد) : لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة ...) . وحديث: (من صام من رجب كذا وكذا) الجميع كذب مختلق] المنار المنيف ص٩٥-٩٧. وأما ما ورد في النشرة: [وفي أواخره ليلة عظيمة وهي ليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين منه وقيام ليلها فضيل وصيام نهارها مستحب لكل مسلم ومسلمة] . فهذا عين الكذب كما قال ذلك الإمام المحدث ابن دحية ووافقه على ذلك الحافظ ابن حجر وأنكر ذلك الإمام إبراهيم الحربي وغيره. قال ابن دحية: [وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب] أداء ما وجب ٥٣-٥٤. وانظر ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف ص٢٣٣ وما قاله العلامة المحدث الألباني في تعليقه على أداء ما وجب ص٥٣. وأما حديث: (من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهراً) فهذا الحديث باطل موضوع لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر العلماء عدداً من الأحاديث المكذوبة في فضل صوم رجب منها ما ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة ص١٠٠-١٠١ فانظرها. وخلاصة الأمر أن المشروع في رجب هو المشروع في غيره من الشهور وليس لرجب أي خصوصية في صوم أو صلاة وأن ما رد في هذه النشرة من أحاديث كلها باطلة مكذوبة وأن هؤلاء الذين ينشرون مثل ذلك يشملهم الوعيد الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>