[٤٢ - انتزاع الملكية الخاصة للمصلحة العامة]
يقول السائل: إن المجلس البلدي لمدينته يريد أن يضع يده على قطعة أرض يملكها السائل لإقامة مركز صحي للبلد لأن موقع الأرض مناسب لذلك المشروع مع أنه يعارض ذلك فما هو الحكم في هذه القضية، أفيدونا؟ الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن الإسلام قد قرر مبدأ الملكية الفردية أو الملكية الخاصة واحترمها احتراماً شديداً وشرع أحكاماً كثيرة للمحافظة عليها وحرَّم التعدي عليها وقد وردت النصوص الكثيرة في ذلك فمنها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} سورة النساء الآية ٢٩. وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم. وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه أحمد والبيهقي والطبراني والدارقطني وغيرهم وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل ٥/٢٧٩. وجاء في رواية أخرى عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه وذلك لشدة ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم) رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في غاية المرام ص ٢٦٣.
وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حق إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة) . رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان) رواه أحمد
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حرمة مال المسلم كحرمة دمه) رواه البزار وأبو يعلى. وغير ذلك من النصوص.
وقد أجاز الفقهاء انتزاع الملكية الخاصة في حالات محددة وتحويلها إلى ملكية عامة وذلك لتحقيق مصلحة عامة كبناء المساجد وشق الطرق وبناء الجسور وبناء المدارس والمستشفيات والمرافق العامة الأخرى التي يحتاجها عامة الناس. قال الشيخ أحمد الشلبي الحنفي [ولو ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض لرجل، تؤخذ أرضه بالقيمة كرهاً، ولو كان بجنب المسجد أرض وقف على المسجد , فأراد أن يزيدوا شيئاً في المسجد من الأرض , جاز ذلك بأمر القاضي) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ٣/٣٣١. وجاء في الموسوعة الفقهية [ويتحول الملك الخاص إلى عام، في نحو البيت المملوك إذا احتيج إليه للمسجد، أو توسعة الطريق، أو للمقبرة ونحوها من مصالح المسلمين، بشرط التعويض] الموسوعة الفقهية الكويتية ١٠/٢٨٩. ويدل على جواز ذلك ما ورد في قصة بناء المسجد النبوي حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى الأرض التي بني عليه المسجد من أصحابها فقد ورد في الحديث الطويل في قصة الهجرة النبوية (... فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت – الناقة - عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجداً) رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار ... وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فقال أنس فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول اللهم لا خير إلا خير الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره) رواه البخاري.
[وقد حصل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ١٧ هـ أنه أراد توسعة المسجد الحرام فاشترى عمر دوراً من أهلها، ووسعه بها، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وامتنع من البيع، فوضع عمر أثمانها في خزانة الكعبة فأخذوها، وفي سنة ٢٦ هـ اشترى عثمان رضي الله عنه دوراً وسع بها المسجد، وقد أبى قوم البيع، فهدم عليهم دورهم، فصاحوا به فأمر بحبسهم حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم، وفي سنة ٦٤ هـ اشترى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه دوراً وسع بها المسجد من الجانب الشرقي والجانب الجنوبي توسعة كبيرة] عن موقع الحج والعمرة على الإنترنت.
وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي مسألة انتزاع الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية عامة وأصدر فيها ما يلي: [إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من ١٨-٢٣ جمادي الآخرة ١٤٠٨ هـ، الموافق ٦-١١ فبراير ١٩٨٨. بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص "انتزاع الملك للمصلحة العامة". وفي ضوء ما هو مسَلَّم في أصول الشريعة، من احترام الملكية الفردية، حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها، وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها، مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة العامة، تطبيقاً لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح وتنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام. قرر ما يلي: أولاً: يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها، ولا يجوز تضييق نطاقها أو الحد منها، والمالك مسلط على ملكه، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع الإنتفاعات الشرعية.
ثانياً: لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية: ١- أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل. ٢- أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال.
٣- أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور.
٤- أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو الخاص، وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان.
فإِن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض والغصوب التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم. على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل.) مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد ٤ ج ٢ ص ١٧٩٧-١٧٩٨.
وأخيراً يجب التأكيد على أن انتزاع الملكية الخاصة لا بد أن يكون بعوض لا يقل عن ثمن المثل كما ورد في قصة عمر وعثمان عند توسعة المسجد الحرام وكما جاء في المادة (١٢١٦) من مجلة الأحكام العدلية [لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطان ويلحق بالطريق، ولكن لا يؤخذ من يده ما لم يؤد له الثمن] درر الحكام ٣/٢٣٣. وكما أكد عليه قرار المجمع الفقهي [أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل.]
وخلاصة الأمر أنه يجوز للمجلس البلدي أن ينتزع ملكية الأرض المذكورة في السؤال وفق الضوابط المذكورة سابقاً.