يقول السائل: ما المقصود بكبائر الذنوب، وما الفرق بينها وبين صغائر الذنوب وما هي كبائر الذنوب؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن كل مخالفة لأوامر الله أو نواهيه قبيحة، سواءً كان الذنب كبيراً أو صغيراً، وعلى المسلم أن يعلم أنه عندما يرتكب ذنباً أنه يعصي الله عز وجل، وقد قال بعض السلف:" لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر من عصيت ". فالمسلم ملتزم بشرع الله التزاماً كاملاً ولا يدفعه أن هذا الذنب صغير إلى التساهل في الوقوع في المعاصي، فإن الله عز وجل قال:(مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) سورة النساء /١٢٣. فالأصل في المسلم أن يجتنب كل ما نهى الشارع الحكيم عنه، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح أن عليه الصلاة والسلام قال:(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم. إذا تقرر ذلك فأقول إن جماهير العلماء قالوا: إن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد اختلفوا في حقيقة الكبيرة، وهذه بعض أقوالهم: فمنهم من يرى أن الكبيرة هي ما لحق صاحبها بخصوصها وعيد شديد بنص من القرآن الكريم أو السنة النبوية، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب " تفسير القرطبي ٥/١٥٩. ومن العلماء من يرى أن الكبيرة هي كل معصية أوجبت الحد. ومنهم من يرى أن الكبيرة هي كل محرم لعينه منهيٌ عنه لمعنى في نفسه فأن فعل على وجه يجمع وجهين أو وجوهاً من التحريم كان فاحشة، فالزنا كبيرة، وأن يزني الرجل بزوجة جاره فاحشة. وقال المفسر الواحدي:" الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله عز وجل أخفى ذلك عن العباد ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاءً أن تجتنب الكبائر، ونظائره إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة ونحو ذلك، وغير ذلك من الأقوال " الزواجر عن اقتراف الكبائر ١/١٤ - ١٦. وكل ما ذكره أهل العلم في تعريف الكبيرة إنما هو على وجه التقريب، وليس على وجه التحديد. وكبائر الذنوب كثيرة، وليس محصورة في عدد معين عند أهل العلم، وإن ذكر في بعض الأحاديث عددها، فليس المراد الحصر، فمن ذلك ما ورد في الحديث، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:(ألا أنبئكم بأكبر البائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال قول الزور، أو قال شهادة الزور) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي:" وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الكبائر سبع) فالمراد به من الكبائر سبع، فإن هذه الصيغة وإن كانت للعموم، فهي مخصوصة بلا شك، وإنما وقع الاقتصار على هذه السبع وفي الأخرى ثلاث، وفي الرواية الأخرى أربع، لكونها من أفحش الكبائر مع كثرة وقوعها لا سيما فيما كانت عليه الجاهلية ولم يذكر في بعضها ما ذكر في الأخرى، وهذا مصرح بما ذكرته من أن المراد البعض" شرح النووي على صحيح مسلم ١/٢٦٤. ويؤيد عدم انحصار الكبائر في سبع أو ثلاث أو أربع ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه لما سئل عن الكبائر أسبع هي؟ فقال: هي إلى سبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار " تفسير القرطبي ٥/١٥٩. وهذا هو الراجح إن شاء الله، وهو أن الكبائر ليست محصورة في عدد معين، وقد ذكر الإمام ابن حجر المكي يرحمه الله عدداً كبيراً من الذنوب التي تعد من الكبائر وساق الأدلة على ذلك فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتابه القيم الزواجر عن اقتراف الكبائر. *****