للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨ - حكم سرقة الأبحاث]

يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الطلبة الجامعيين من أخذهم بحوث غيرهم من الطلاب وينسونها لأنفسهم ويقدمونها كأبحاث للتخرج على أنها من جهدهم أفيدونا؟

الجواب: ما ذكره السائل ظاهرة بدأت تنتشر في أوساط الطلبة الجامعيين وغيرهم حيث إن بعض الطلبة يسطون على أبحاث غيرهم وينسبونها لأنفسهم بل تعدى الأمر ذلك فأصبح لدينا بعض المكتبات ومراكز الإنترنت التي تبيع بحوثاً جاهزة للطلبة وبعض الناس يقومون بكتابة بحوث ويبيعونها للطلبة مقابل مبالغ معينة فضلاً عن سرقة الأبحاث عن طريق شبكة الإنترنت فهذا الأمر صار شائعاً في أوساط طلبة الجامعات ومما يؤسف له أن بعض أساتذة الجامعات يسهمون في ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر فعندما يطلب أستاذ الجامعة بحوثاً من طلابه وعندما يتسلمها منهم لا يكلف نفسه عناء تصفحها فضلاً عن قراءتها فلا شك أن هذا يدفع الطلبة إلى سرقة البحوث لأنهم يعرفون سلفاً أن أستاذهم المذكور لا يقرأ البحوث وهذا الأمر يؤدي إلى آثار خطيرة على المسيرة التعليمية لأن الأصل أن هنالك أهدافاً يجب أن تتحقق عند تكليف الطلبة بالبحوث مثل تمرين الطلبة على الكتابة العلمية وتقوية صلتهم بالمكتبة والمراجع ونحو ذلك فعندما يحصل الطالب على بحث جاهز سواء كان ذلك مقابل أجر أو بدون أجر فإن الغايات المرجوة من تكليفه بالأبحاث لا تتحقق.

إذا تقرر هذا فإن كتابة الأبحاث للطلبة بأجر أو بدون أجر وكذا سرقة الطلبة للأبحاث من غيرهم أو عن طريق شبكة الإنترنت كل ذلك محرم شرعاً لما يلي:

أولاً: لأنه غش صريح فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم وفي رواية أخرى عند مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) .

ثانياً: إن هذا العمل يعتبر خيانة للأمانة العلمية التي يجب أن يحترمها أساتذة الجامعات قبل طلبتهم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الأنفال الآية ٢٧. وخيانة الأمانة من صفات المنافقين كما صحَّ في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) . وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) رواه البخاري ومسلم. وقد اعتبر العلماء خيانة الأمانة من كبائر الذنوب. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر ١/٦١٧. وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من خيانة الأمانة منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في الخطبة: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) رواه ابن حبان والبيهقي والبغوي، ثم قال: هذا حديث حسن. شرح السنة ١/٧٥ وحسّنه الشيخ الألباني لشواهده كما في تخريجه للمشكاة ١/١٧.

ثالثا: إن الشريعة الإسلامية حرمت انتحال الانسان قولاً لغيره أو إسناده إلى غير من صدر منه وقضت بضرورة نسبة القول إلى قائله والفكرة إلى صاحبها لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من الخير أو يتحمل وزر ما قد تجره من شر فقد روي عن الإمام أحمد: أنه امتنع عن الإقدام على الاستفادة بالنقل أو الكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه إلا بعد الاستئذان منه فقد روى الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها؟ قال: لا، بل يستأذن ثم يكتب.

رابعاً: إن من ينسب جهود الآخرين لنفسه متشبع بما لم يعط كما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت يا رسول الله: أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي في شرحه للحديث: [قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده, يتكثر بذلك عند الناس, ويتزين بالباطل, فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور.] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/٢٩١. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فكم في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية وغيرها من أمثال هؤلاء الذين ينطبق عليه حديث الرسول الله صلى الله عليه (المتشبع بما لم يعط) فهؤلاء الذين تحملهم شهاداتهم ولا يحملونها.

خامساً: إن هذا العمل من التعاون على الباطل الذي يترتب عليه مفاسد كثيرة تنعكس على الفرد والمجتمع حيث سيتخرج أناس بالغش والتزوير وسيتولون المناصب بحصولهم على شهادات الزور (شهاداتهم الجامعية) .

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية بتحريم إعداد البحوث بالنيابة فقد أجابت عن السؤال التالي: [يطلب بعض المدرسين من الطلبة عمل بحث ويعطي الطالب عليه درجات، فهل يجوز لي أن أعمل هذا البحث للطالب مقابل أجر مادي آخذه منه؟

الجواب: عمل البحث المطلوب من الدارس في المدارس الحكومية أو غيرها واجب دراسي، له أهدافه: من تمرين الطالب على البحث، والتعرف على المصادر، ومعرفة مدى قدرته على استخراج المعلومات، وترتبيها.. إلى آخر ما يهدف إليه طلب إعداد البحث؛ لهذا فإن قيام بعض المدرسين أو غيرهم بذلك نيابة عن الطالب، مقابل أجرة أو بدون أجرة، هو عمل محرم، والأجرة عليه كسب حرام؛ لما فيه من الغش والكذب والتزوير، وهذا تعاون على الإثم، والله سبحانه يقول: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى اْلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية ٢. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم ... ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ١٢/٢٠٣. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين [وإن مما يؤسف له أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثاً أو رسائل يحصلون على شهادات علمية أو من يحقق بعض الكتب فيقول لشخص حضر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع وأرى أنه نوع من الخيانة لأنه لابد أن يكون المقصود من الرسالة هو الدراسة والعلم قبل كل شيء فإذا كان المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب لهذا أحذر إخواني الذي يحققون الكتب أو الذين يحضرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة ... ] من كتاب العلم للشيخ العثيمين عن شبكة الإنترنت.

وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً كتابة الأبحاث العلمية نيابة عن الآخرين وهذا العمل لا تدخله النيابة ويحرم التعاون مع الطلبة في هذا العمل من قبل الأساتذة أو المكتبات أو مراكز الإنترنت لأنه تعاون على الإثم والباطل وقد قال الله تعالى:

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>