للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٥ - التبرج من كبائر الذنوب وعقوبة المتبرجات]

تقول السائلة: هل خروج المرأة من بيتها بغير جلباب يُعد من كبائر الذنوب أم من صغائرها وما عقوبة من لا تلتزم بالجلباب الشرعي أفيدونا؟ الجواب: إن الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله في حق المرأة البالغة وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم بلا خلاف ونقل بعض العلماء الإجماع عليه وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله سبحانه وتعالى والأحاديث النبوية فمن ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) سورة الأحزاب الآية ٥٩. وقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) . سورة النور الآية ٣١. قال القرطبي: [وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ {ما ظهر} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه. قلت - القائل القرطبي - هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما] تفسير القرطبي١٢/٢٢٩. وقال ابن كثير [أي: ولا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، وقال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه] تفسير ابن كثير٤/٥٣٨ وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسماء رضي الله عنها (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها شيء إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه) . رواه أبو داود وحسنه الشيخ الألباني وذكر له شواهد انظر صحيح الترغيب والترهيب ٢/٤٦٣. وغير ذلك من الأدلة التي توجب الجلباب الشرعي إذا تقرر هذا فإن الواجب على المرأة المسلمة البالغة أن تلتزم بالجلباب الشرعي ويحرم عليها أن تخرج من بيتها بدون ذلك فإذا خرجت من بيتها بدون الجلباب فهي متبرجة وخاصة إذا أضيف إليه التعطر (والمكياج) عند الخروج من البيت ولبس الملابس الضيقة كالبنطلون والتشبه بالرجال وكذلك تصفيف الشعر والتنمص ونحو ذلك من إظهار الزينة. والتبرج من كبائر الذنوب باتفاق العلماء وقد عدَّ الشيخ ابن حجر المكي خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر وأن الأدلة الشرعية تدل عليه. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر ٢/٩٦- ٩٧. وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبرجة بأنها لا تدخل الجنة ولا تشم رائحتها كما سيأتي وهذا يدل على أن التبرج من الكبائر. ومن زعم أن التبرج من صغائر الذنوب فقوله باطل مردود عليه لأنه مخالف للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومنها: قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) سورة الأحزاب الآية ٣٣. وقوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة النور الآية ٦٠. وورد في الحديث أن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها جاءت إلى رسول صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال: أبايعك على ألا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى.) رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجلَ يلبسُ لِبْسَةَ المرأةِ والمرأةَ تلبس لِبْسَة الرجل) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها؛ فهي زانية) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وحسنه الشيخ الألباني. انظر صحيح الترغيب والترهيب ٢/٤٥١. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواشمات والمُستوشمات والنامصات والمُتنمصات والمُتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) رواه البخاري ومسلم، والنامصة: هي التي ترقق الحاجبين للنساء، والمتنمصة: هي التي يتم ترقيق حواجبها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم قال الإمام النووي: [... هذا الحديث من معجزات النبوة, فقد وقع هذان الصنفان, وهما موجودان. وفيه ذم هذين الصنفين قيل: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها, وقيل: معناه تستر بعض بدنها, وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه, وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. وأما (مائلات) فقيل: معناه عن طاعة الله, وما يلزمهن حفظه. (مميلات) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم, وقيل: مائلات يمشين متبخترات, مميلات لأكتافهن. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة, وهي مشطة البغايا. مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة. ومعنى (رؤوسهن كأسنمة البخت) أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٢٩١. ويمكن أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) على اللواتي يصففن شعورهن حتى تصبح رءوسهن مثل سنام الجمل. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات. لو كانت وراءكم أمة من الأمم خدمتهن نساؤكم كما خدمنكم نساء الأمم قبلكم) . رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٢/٤٦٢وعن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن منافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) رواه البيهقي وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ٤/٤٦٤. وغير ذلك من النصوص.

وخلاصة الأمر أن التبرج من كبائر الذنوب لأن المتبرجة مستحقة للعن واللعن إنما يكون على كبائر الذنوب فقط فعلى كل متبرجة أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتلتزم بالجلباب وأن تتذكر قول الله عز وجل: (أَلَم يَأْنِ للَّذَينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وِ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنهُمْ فَاسِقُونَ) سورة الحديد الآية ١٦. وأن تتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) . واعلمي أيتها الأخت المتبرجة أن الحجاب إيمان وطهارة وتقوى وحياء وعفة وأن التبرج معصية لله عز وجل وللرسول صلى الله عليه وسلم وموجب للطرد من رحمة الله تعالى لأن المتبرجة ملعونة وكذلك فإن التبرج موجب للنار نسأل الله العفو والعافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>