للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - أيهما أولى تزويج الابن أم حج الفريضة؟]

يقول السائل: إن لديه مبلغاً من المال ويريد الحج به ولكن زوجته تقول إن تزويج ابنهما أوجب، لأن الولد غير مستطيع للزواج بنفسه، فأيهما أولى أن يؤدي فريضة الحج أم يزوج ولده، أفيدونا؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أولاً أن الحج فريضة العمر على المسلم المستطيع، قال الله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} سورة آل عمران الآية ٩٧. وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على وجوب الحج على المستطيع. وفي قوله تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) إشارة إلى أن الأصل في المسلم أنه لا يترك الحج مع القدرة عليه لأنه سبحانه وتعالى جعل مقابل الفرض الكفر، فترك الحج ليس من شأن المسلم، بل هو من شأن الكافر. انظر الموسوعة الفقهية ١٧/٢٣. والواجب على المسلم أن يبادر للحج إن كان مستطيعاً لأن الحج واجب على الفور على قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن من وجب عليه الحج وأمكنه فعله وجب عليه على الفور ولم يجز له تأخيره وبهذا قال أبو حنيفة ومالك] المغني ٣/٢١٢. ويدل على ذلك قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} سورة البقرة ١٩٦، قال القرطبي: [وروى قتادة عن الحسن قال قال عمر رضي الله عنه لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى الأمصار فينظرون إلى من كان له مال ولم يحج فيضربون عليه الجزية فذلك قوله تعالى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} قلت – القرطبي - هذا خرج مخرج التلغيط ... وقال سعيد بن جبير: لو مات جار لي وله ميسرة ولم يحج لم أصل عليه] تفسير القرطبي ٤/١٥٣-١٥٤.

ويدل على الفورية قوله تعالى {فاستبقوا الخيرات} سورة البقرة الآية ٤٨.

ويدل على وجوب الحج على الفور ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أراد الحج فليتعجل) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي، وقال الشيخ الألباني حديث حسن، كما في صحيح سنن أبي داود ١/٣٢٥. وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس عن الفضل رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وضل الضالة وتعرض الحاجة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن ابن ماجة ٢/١٤٧.

وعن عبد الرحمن بن غُنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهودياً مات أو نصرانياً. ذكره ابن كثير وقال: هذا إسناد صحيح إلى عمر. تفسير ابن كثير ٢/٩٧.

وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جِدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين) رواه سعيد بن منصور في سننه.

إذا تقرر أن الحج واجب على الفور على المستطيع فإن أداء المسلم لحج الفريضة مقدم على تزويج ابنه لأن تزويج الابن ليس واجباً على أبيه كما هو مذهب جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، بل هو أمر مندوب إليه، وخاصة إذا كان الأب موسراً فينبغي أن يساعد ابنه في الزواج، قال ابن عرفة المالكي: [نفقة الابن تسقط ببلوغه] مواهب الجليل للحطاب.

وقال الإمام النووي: [لا يلزم الأب إعفاف الابن] روضة الطالبين.

والمطلوب من الابن الفقير الذي لا يستطيع الزواج بنفسه أن يصبر حتى يغنيه الله من فضله كما قال تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله} سورة النور الآية ٣٣.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم استطاعة الزواج لمن أراد الزواج استطاعة ذاتية ولم يجعلها استطاعة بغيره، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه مسلم. وأما ما يذكره بعض الناس من الحديث الوارد في أن من حق الابن على أبيه أن يزوجه ولفظه (إن من حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة وأن يحسن اسمه وأن يزوجه إذا بلغ) وفي رواية أخرى (ويزوجه إن أدرك) ، فهذا الحديث ضعيف جداً عند أهل الحديث قال الشيخ العلامة الألباني: [أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ق٦٢/ ٢) ، والديلمي (٢/ ٨٦-٨٧) من طريق أبي نعيم معلقاً عنه عن أبي هارون السندي عن الحسن ابن عمارة عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة مرفوعاً.

قلت – أي الألباني -: وهذا إسناد ضعيف جداً. الحسن بن عمارة متروك. والحديث عزاه السيوطي لأبي نعيم أيضاً في “الحلية"، لم أره في فهرسه. والله أعلم. ونحوه ما رواه الأصبهاني في "الترغيب" (٦٢/ ٢) من طريق عبد الله بن عبد العزيز قال: أخبرني أبي عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "إن من حق الولد على ولده أن يحسن أدبه، وأن يحسن اسمه، وأن يعظه (وفي رواية: أن يفقهه) إذا بلغ". وعبد الله هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، قال ابن الجنيد: "لا يساوي شيئاً، يحدث بأحاديث كذب". وروى سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "إن من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، وأن يحسن أدبه". أخرجه البزار (٢/ ٤١١/ ١٩٨٤) وقال: "تفرد به عبد الله بن سعيد، ولم يتابع عليه". قلت: وهو متروك؛ كما في "المجمع" (٨/ ٤٧) . وأخوه سعد بن سعيد لين الحديث، كما في "التقريب". ووقع في رواية محمد بن مخلد الدوري في “جزئه": (عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد) كما في "المداوي" (٢/ ٥٤٧) للشيخ الغماري، من طريق علي بن شاذان عنه. وقال الشيخ: "علي بن شاذان ضعفه الدارقطني"، فقوله: (عبد المجيد) مكان (عبد الله) خطأ منه أو من النساخ، أو هو العكس. والله أعلم.] سلسلة الأحاديث الضعيفة ٧/٤٩١-٤٩٢.

وقد ورد الحديث المذكور من كلام سفيان الثوري كما ذكره أبو عبد الله المروزي في كتاب البر والصلة، قال حدثنا الحسين قال أخبرنا ابن المبارك قال كان سفيان الثوري يقول: (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه وأن يزوجه إذا بلغ وأن يحسن أدبه) قال محقق الكتاب د. محمد سعيد بخاري. رجال إسناده ثقات.

وخلاصة الأمر أن الحج واجب على الفور في حق المستطيع، ولا يجب على الوالد أن يزوج ولده، بل ذلك مندوب إليه، وحج الفريضة مقدم على تزويج الولد.

<<  <  ج: ص:  >  >>