للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - أحكام تتعلق بالتوكيل في الأضحية]

يقول السائل: يوكل بعض الناس لجان الزكاة في الأضاحي، فتتولى شرائها وذبحها وتوزيعها ولكن بعض هذه اللجان تتساهل في ذلك، فيقع خلل في الأحكام الشرعية للأضاحي، فماذا تقولون للقائمين على هذه اللجان، أفيدونا؟

الجواب: قال أكثر العلماء الأضحيةُ سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وبه قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وقاله جماعة من التابعين وبه قال مالك في القول المشهور عنه والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد من الحنفية وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن حزم الظاهريان وابن المنذر وغيرهم. وهذا أرجح قولي العلماء في حكم الأضحية.

والأضحية شعيرة من شعائر الله وهي واجبة التعظيم كما قال جل جلاله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية ٣٢. ومن ضمن تعظيمها ذبحها وفق الأحكام الشرعية الواردة فيها ومن ذلك: أن تتحقق فيها الشروط الشرعية المقررة فلا بد أن تكون الأضحية من الأنعام فقد اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي، كالغزال، ولا من الطيور كالديك، ويدل على ذلك قوله تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سورة الحج الآية ٣٤. قال الإمام القرطبي: [والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم] تفسير القرطبي ١١/٤٤.

ويدل على ذلك أيضاً أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا بد أن تكون الأضحية قد بلغت سن التضحية فقد اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه، ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه، ويدل على ذلك ما ورد في حديث جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/١٠١-١٠٢. والجذع من الضأن ما مضى عليه أكثر العام، أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بُعد. وأما الثني من الضأن والمعز فما أتم سنة، والثني من البقر ما أتم سنتين، والثني من الإبل ما أتم خمس سنين، ويجب أن يعلم أن الالتزام بالسن المقرر شرعاً في الأضحية أمر مطلوب شرعاً، ولا تجوز مخالفته بالنقص عنه، وتجوز الزيادة عليه فلا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان، ولا يصح النقص عنه.

ولا بد أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحتها فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي) رواه أصحاب السنن الأربعة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل ٤/٣٦١. قال الحافظ ابن عبد البر: [أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها. ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز، وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أو التي لا رِجل لها المقعدة أحرى ألا تجوز، وهذا كله واضح لا خلاف فيه] فتح المالك ٧/٦.

فالأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، سمينة، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها.

ولا بد أن تذبح الأضحية بعد دخول الوقت المقرر شرعاً لذبحها وهو بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي. وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية وهو أرجح أقوال أهل العلم في المسألة ويدل على ذلك ما ورد في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء) رواه البخاري ومسلم، وجاء في رواية أخرى: (لا يضحين أحدٌ حتى يصلي) رواه مسلم. وينتهي وقت ذبح الأضحية بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النسك أربعة، يوم العيد وثلاثة أيام بعده. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه، وصححه أيضاً العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير ٢/٨٣٤.

وبعد هذا البيان الموجز أقول للقائمين على لجان الزكاة إنكم وكلاء عن الناس الذين وكلوكم بالأضاحي، والأصل في الوكيل الأمانة فأنتم أمناء على هذه الأضاحي، فما كان فيها من نقص أو خلل فأنتم الذين تتحملونه أمام الله عز وجل، فاحذروا من الإخلال بشروط الأضحية وافحصوها واحدة واحدة، فقد ثبت في الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذنين) . رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ ثم قال قوله: أن نستشرف، أي أن ننظر صحيحاً والمقصود أن ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من آفة تكون بهما. سنن الترمذي مع شرحه التحفة ٥/٦٨.

واحذروا من ذبح الأضاحي قبل الوقت المقرر شرعاً أو بعده فإن ذلك لا يجزئ. واحذروا كذلك من التلاعب في توزيعها حسب أهوائكم وانتمائكم.

وخلاصة الأمر أن الأضحية عبادة وقربة إلى الله عز وجل، ومعلوم أن الأصل في العبادات هو التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من تحقق الأحكام الشرعية في الأضحية وعلى كل من وكل بأضحية غيره أن يتحقق من توفر الشروط الشرعية فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>