للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٠ - نشر الأحاديث المكذوبة عبر البريد الإلكتروني]

يقول السائل: يردني كثير من الرسائل على بريدي الإلكتروني – الإيميل - وفيها أحاديث منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص غريبة، ويُطلب مني إرسالها إلى أكبر عددٍ من الناس، لأنها من باب الدعوة إلى الخير كما يقولون، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟

الجواب: ما ذكره السائل من نشر أحاديث منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص غريبة وخرافات وخزعبلات، أصبح آفة خطيرة، ومنتشرة بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية – الإنترنت – وكذلك على شبكات الهاتف المحمول بالإضافة للبريد الإلكتروني – الإيميل -، وقد زعم هؤلاء أن مَنْ ينشر مثل هذه الأخبار فله كذا وكذا من الحسنات، وأنه ينال شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنه يصيبه خير كثير أو يسمع أخباراً تسره، وأن من لم ينشرها سيصيبه كذا وكذا إلى غير ذلك من الترهات، ولا شك أن كل هذا من أعظم الكذب والدجل بلا خجل، لأن الأجر والثواب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنال بمجرد نشر هذه الأخبار المكذوبة، وكذلك ما ورد من الوعيد الشديد لمن لم ينشرها وأنه يحرم من رحمة الله، فهو كذبٌ على الله وافتراءٌ عظيم. قال العلامة اللكنوي مبيناً أصناف الكذابين على الرسول صلى الله عليه وسلم: [...الثالث قومٌ كانوا يضعون الأحاديث في الترغيب والترهيب، ليحثوا الناس على الخير، ويزجروهم عن الشر، وأكثر أحاديث صلوات الأيام والليالي من وضع هؤلاء، ومن هؤلاء من كان يظن أن هذا جائز في الشرع لأنه كذب للنبي صلى الله عليه وسلم لا عليه ...] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص ١٥. ويجب أن يُعلم أن نشر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون التأكد من ثبوتها، يعتبر من باب الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ جد خطير، لأن هؤلاء قد يدخلون في دائرة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعاقبته وخيمة، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم (إن كذباً علي َّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . قال الحافظ ابن حبان: " فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) ، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان ١/٢١٠، وقال العلامة الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه، السلسلة الضعيفة ١/١٢. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً.... الخ) . وقال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها ونشرها بين الناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم، فيسهم هؤلاء في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وقد نص أهل العلم على تحريم رواية الأحاديث المكذوبة، قال الحافظ العراقي في ألفيته: شرُ الحديث الخبر الموضوعُ الكذبُ المختَلقُ المصنوعُ

وكيف كان لم يجيزوا ذكره لعالم ما لم يبين أمره

وقال الإمام النووي: [باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وغيره من الأحاديث، ثم ذكر بعد ذلك: [باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها] واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر الزمان ناسٌ من أمتي يُحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) رواه مسلم. انظر شرح النووي على صحيح مسلم ١/٦٢، ٧٠. وينبغي أن يُعلمَ أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. ولا يقولن قائل إنه ينشر هذه الأخبار من باب نشر الخير والدعوة إليه، فإن هذا الكلام من الباطل، فالنية الحسنة لا تكفي لصلاح العمل، وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه عنه الدارمي /٢٣٤. وهنا لا بد من توضيح قاعدة هامة في العمل الذي يجوز للمسلم أن يعمله وهي ما قرره العلماء من أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام ١/٤٦. فوسيلة المحرم محرمة، أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك في تحريمه، فكذلك نشر الأحاديث المكذوبة محرم.

إذا تقرر هذا فإن كثيراً من الأحاديث الواهية والمكذوبة والقصص والخرافات أخذت طريقها للنشر على الشبكة العنكبوتية – الإنترنت – وعلى شبكات الهاتف المحمول بالإضافة للبريد الإلكتروني – الإيميل – ومطبوعات مختلفة، وأذكر هنا أمثلة منها ليحذرها القراء، فمن هذه المكذوبات: الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد، حديث عشرةٌ تمنع عشرة، السور المنجيات، حديث أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث محاورة إبليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث الأعرابي الذي أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل جبريل من السماء مرتين، حديث يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، التصدق بأربعة آلاف درهم، زيارة الكعبة، حفظ مكانك بالجنة، إرضاء الخصوم، قصة يا ابن آدم أتدري ماذا يقول ملك الموت وأنت نائم على خشبة الغسل؟، قصة المرأة المتكلمة بالقرآن، حديث دعاء جبريل عليه السلام، حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، حديث يا ابن ادم لا تخف من ذي سلطان، حديث: يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك، قصة أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية، حديث موت الملائكة، حديث دعاء الجوشن، حديث دعاء كنز العرش، حديث استئذان ملك الموت من النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه، حديث مجيء جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: " مالي أراك متغير اللون؟ "، فقال: " يا محمد جئتك في الساعة التي أمر اللَّه بمنافخ النار أن تنفخ فيها، حديث نزول جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة لم ينزل في مثلها قط؛ ضاحكا مستبشراً، حديث الأعرابي في الطواف، بينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، وحديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، وغير ذلك من الأخبار المكذوبة، ويمكن لمن أراد الاستزادة من ذلك أن يرجع إلى الصفحة الألكترونية التالية: http://www.islam٢all.com/dont/dont.htm

ومن فضل الله عز وجل أن صار في زماننا هذا من السهولة بمكان التأكد من صحة أي حديث منسوب للنبي صلى الله عليه ومسلم، وذلك بمراجعة كتب أهل العلم المتخصصة في ذلك، وهي كثيرة ومنشورة طباعة، وموجودة على شبكة الإنترنت، كما أنه يوجد عدد كبير من المواقع الألكترونية بإشراف أهل العلم، والتي تقوم بتخريج الأحاديث النبوية وتبين الحكم عليها، وهذه بعض عناوينها:

جامع الحديث النبوي http://www.sonnaonline.com/

الحديث الشريف http://hadith.al-islam.com/

كتب الحديث، للألباني http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp

الموسوعة الشاملة http://islamport.com

الحديث الشريف - الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net/ver٢/archive/index٢.php?thelan

تيسير الوصول لأحاديث الرسول http://www.dorar.net/enc/hadith

ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/index.php

شبكة السنة http://www.alssunnah.com/

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً نشر الأحاديث بأي وسيلة من وسائل النشر قبل التأكد من ثبوتها، ويحرم ترويج الأحاديث المكذوبة والموضوعة، وكذا القصص والخرافات ونحوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>