يقول السائل: إذا قتلت امرأة خطأ ولها زوج وأولاد فلمن تكون ديتها ومن يملك العفو عن الدية؟
الجواب: اتفق جماهير أهل العلم على أن دية القتيل تكون لورثته جميعاً ويستثنى من ذلك القاتل إن كان من الورثة فيحرم من الميراث. ويدل على ذلك قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) سورة النساء الآية ٩٢. قال الألوسي:(وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) أي مؤداة إلى ورثة القتيل يقتسمونها بينهم على حسب الميراث، فقد أخرج أصحاب السنن الأربعة عن الضحاك بن سفيان الكلابي قال: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها. ويقضى منها الدين وتنفذ الوصية ولا فرق بينها وبين سائر التركة) روح المعاني ٣/١٠٩ وجاء في حديث أبي شريح الكعبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(من قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل) رواه البخاري ومسلم. والعقل هو الدية قال الإمام البغوي: [وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فأهله بين خيرتين) دليل على أن القصاص والدية تثبت لجميع الورثة من الرجال والنساء] شرح السنة ٧/٣٠٣. وروى أبو داود بإسناده من حديث عمرو بن شعيب:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها فإن قتلت فعقلها بين ورثتها) ورواه النسائي وأحمد أيضاً وقال الشيخ الألباني حديث حسن انظر صحيح سنن أبي داود ٣/٨٦٣-٨٦٤. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:(فعقلها بين ورثتها) أي ديتها بين ورثتها أي سواء كانوا أصحاب الفرائض أو عصبة فإن دية المرأة المقتولة كسائر تركتها فلا تختص بالعصبة بل تقسم أولاً بين أصحاب الفرائض فإن فضل منها شيء يقسم بين العصبة بخلاف دية المرأة القاتلة التي وجبت عليها بسبب قتلها فإن العصبة يتحملونها خاصة دون أصحاب الفرائض] . انظر عون المعبود ١٢/١٩٩. وروى الترمذي بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: الدية على العاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً فأخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وفي رواية أبي داود (فرجع عمر عنه) . قال الإمام الخطابي:[فيه من الفقه أن دية القتيل كسائر ماله يرثها من يرث تركته] معالم السنن ٤/٩٧. وقال الإمام الباجي:[قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ فاقتضى ذلك تعلق هذا الحكم بقتل الخطأ إلا أن دية العمد محمولة عند جميع فقهاء الأمصار على ذلك ولم يفرق أحد منهم علمناه في ذلك بين دية العمد والخطأ وأنها كسائر مال الميت يرث منها الزوج والزوجة والإخوة للأم وغيرهم، وهذا المروي عن عمر وعلي وشريح والشعبي والنخعي والزهري وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي] المنتقى شرح الموطأ ٧/١٠٤. وروى الدارمي عدة آثار عن السلف في أن الدية تجري مجرى الميراث فروى عن إبراهيم النخعي قوله:[الدية على فرائض الله] وعن أبي قلابة قال: [الدية سبيلها سبيل الميراث] . وعن الزهري قال:[العقل – أي الدية – ميراث بين ورثة القتيل على كتاب الله وفرائضه] انظر سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ١٠/١٩٧ فما بعدها. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ودية المقتول موروثة عنه كسائر أمواله] المغني ٦/٣٨٨. وإذا كان الورثة يملكون الدية حسب نصيب كل منهم فإنهم يملكون العفو عن الدية حسب نصيب كل منهم فالعفو عن الدية حق لجميع الورثة فإذا اتفق الورثة جميعاً على العفو عن الدية فلهم ذلك وإذا امتنع بعض الورثة عن العفو وعفا الآخرون فتسقط من الدية حصة من عفوا.
وخلاصة الأمر أن دية المرأة المقتولة خطأ ولها زوج وأولاد تكون لورثتها جميعاً حسب فرائض الله سبحانه وتعالى ويملك الورثة العفو عن الدية كلها لأنها من الحقوق التي تسقط بالعفو فإذا عفا بعض الورثة دون بعض فمن عفا سقط نصيبه من الدية ومن لم يعف بقي نصيبه من الدية.