للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - حكم الإفرازات المهبلية]

تقول السائلة: ما حكم الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة من حيث طهارتها أو نجاستها ومن حيث نقضها للوضوء أو عدم نقضها للوضوء، أفيدونا؟ الجواب: الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة قد تكون طبيعية وقد تكون مرضية فالإفرازات الطبيعية عادة ما تكون عديمة اللون والرائحة وتزيد وتنقص نتيجة تغير نسبة الهرمونات خلال فترة الدورة الشهرية. والإفرازات غير الطبيعية تنتج عن إصابة المهبل بأحد الميكروبات الفطرية أو الطفيلية أو البكتيرية كما يقول الأطباء وسواء كانت هذه الإفرازات - التي يسميها الفقهاء رطوبة فرج المرأة - طبيعية أو مرضية فهي ناقضة للوضوء على الراجح من قولي العلماء قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} سورة المائدة الآية ٦ ولفظ الغائط يجمع بالمعنى جميع الأحداث الناقضة للطهارة الصغرى ويدخل في ذلك الإفرازات المهبلية

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أبو القاسم: والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح فهذا ينقض الوضوء إجماعاً قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي , وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة الضرب الثاني: نادر كالدم والدود والحصا والشعر فينقض الوضوء أيضا , وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحماد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب لأنه نادر , أشبه الخارج من غير السبيل. ولنا أنه خارج من السبيل أشبه المذي ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به فينتقض الوضوء بها وقد (أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها نادر غير معتاد] المغني ١/١٢٥.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (لا يقبل اللَّه صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) رواه البخاري ومسلم. والمراد بالحدث الخارج من أحد السبيلين كما قال الشوكاني في نيل الأوطار ١/٢٢١.

وقد اختلف الفقهاء في الإفرازات المهبلية أطاهرة هي أم نجسة؟ والذي أميل إليه هو القول بنجاستها من باب الاحتياط وخاصة أن أهل العلم قالوا إن الإفرازات المهبلية منها ما يخرج من المهبل مخرج الولد ومنها ما يخرج من مخرج البول ويغلب على ظني أنه من الصعوبة بمكان أن تميز المرأة بين النوعين السابقين لذا أرى أن القول بنجاسة الإفرازات المهبلية أحوط فيلزم المرأة أن تتحفظ منها فإذا نزل من المرأة شيء من الإفرازات المهبلية فيلزمها الوضوء وتنظيف ما أصابت من ملابسها.

وأود أن أنبه على أمرين هامين: الأول: إذا كانت الإفرازات المهبلية تنزل من المرأة بشكل مستمر ولا تنقطع فتكون المرأة حينئذ صاحبة عذر فتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ولا يضرها ما نزل منها من الإفرازات المهبلية حتى لو نزلت أثناء الصلاة فصلاتها صحيحة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن المستحاضة ومن به سلس البول أو المذي أو الجريح الذي لا يرقأ دمه وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته , عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه فالمستحاضة تغسل المحل ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه , ليرد الدم (لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم فإن لم يرتد الدم بالقطن , استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج) وهو المذكور في حديث أم سلمة " لتستثفر بثوب وقال لحمنة " تلجمي " لما قالت: إنه أكثر من ذلك فإذا فعلت ذلك ثم خرج الدم , فإن كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة وإن كان لغلبة الخارج وقوته وكونه لا يمكن شده أكثر من ذلك , لم تبطل الطهارة لأنه لا يمكن التحرز منه فتصلي ولو قطر الدم قالت عائشة: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه , فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي) رواه البخاري وفي حديث: (صلي وإن قطر الدم على الحصير) وكذلك من به سلس البول ... ويلزم كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن يخرج منه شيء وبهذا قال الشافعي , وأبو ثور وأصحاب الرأي ... ولنا ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في (المستحاضة: تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل , وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة) رواه أبو داود والترمذي , وعن عائشة قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت خبرها ثم قال: اغتسلي , ثم توضئي لكل صلاة وصلي) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ولأنه خارج من السبيل , فنقض الوضوء كالمذي، إذا ثبت هذا فإن طهارة هؤلاء – أي أصحاب الأعذار - مقيدة بالوقت لقوله: " تتوضأ عند كل صلاة " وقوله: " ثم توضئي لكل صلاة " ولأنها طهارة عذر وضرورة , فتقيدت بالوقت كالتيمم.] المغني ١/٢٤٧-٢٤٨.

الأمر الثاني هو بيان كيفية الغسل الصحيح فقد ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثتني خالتي ميمونة قالت أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه..) رواه البخاري ومسلم. فالغسل الواجب يشترط فيه النية بأن ينوي رفع الحدث وأن يعمم جميع الجسد بالماء فهذا أقل ما يجزىء في الاغتسال.

ويدل على ذلك ما ورد في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الطويل قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ... فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم قال أصابتني جنابة ولا ماء، قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس من العطش ... وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء قال اذهب فأفرغه عليك) رواه البخاري ومسلم فقوله صلى الله عليه وسلم (فأفرغه عليك) يدل على أن مجرد إفراغ الماء على البدن يعد غسلاً صحيحاً.

وأكمل منه الغسل المندوب وصفته أن يغسل المرء كفيه ثلاثاً قبل إدخالهما في الإناء ثم يفرغ الماء بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ويجوز أن يؤخر غسل رجليه إلى آخر الغسل ثم يفيض الماء على جميع بدنه.

وخلاصة الأمر أن الإفرازات المهبلية ناقضة للوضوء ونجسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>